للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ماء باردا فنزلت هذه الآية يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) [المدّثّر: الآية ١] أي الملتف بثيابه قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) [المدثر: الآية ٢ و ٣] » ، ولم يقل بعد فأنذر وبشر لأنه كما بعث بالنذارة بعث بالبشارة لأن البشارة، إنما تكون لمن آمن ولم يكن أحد آمن قبل، وهذا يدل على أن هذه الآية أول ما نزل: أي قبل اقرأ وأن النبوّة والرسالة مقترنان.

قال الإمام النووي: والقول بأن أول ما نزل يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) [المدّثّر: الآية ١] ضعيف باطل، وإنما نزلت بعد فترة الوحي: أي ومما يدل على ذلك قوله: «فإذا الملك الذي جاءني بحراء» ومما يدل على ذلك أيضا ما في البخاري أن في رواية جابر أنه صلى الله عليه وسلم حدث عن فترة الوحي أي لا عن ابتداء الوحي. فما تقدم من قول بعضهم يعني عن ابتداء الوحي فيه نظر، وكذا في قول الراوي عن جابر «جاروت بحراء، فلما قضيت جواري هبطت» لأن جواره بحراء كان قبل فترة الوحي، إلا أن يقال جابر جاء عنه روايتان: واحدة في ابتداء الوحي، وأخرى في فترة الوحي، وبعض الرواة خلط، فإن صدر الرواية يدل على أن ذلك كان عند ابتداء الوحي، وعجزها بدل على أن ذلك كان في فترة الوحي.

هذا، ويجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم جاور بحراء في مدة فترة الوحي. ويؤيد ذلك ما في البيهقي عن مرسل عبيد بن عمير «أنه صلى الله عليه وسلم كان يجاور في كل سنة شهرا وهو رمضان، وكان ذلك في مدة فترة الوحي» وسيأتي الجمع بين الروايات في أول ما نزل. وعن إسماعيل بن أبي حكيم مولى الزبير «أنه حدث عن خديجة رضي الله تعالى عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال نعم» أي وذلك قبل أن يأتيه بالقرآن: أي بشيء منه، وهو اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: الآية ١] بناء على أنه أول ما نزل. ولا ينافي ذلك قولها: «هذا الذي يأتيك إذا جاءك» لأن المعنى الذي يترائ لك إذا رأيته، فجاءه جبريل عليه الصلاة والسلام، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خديجة، هذا جبريل قد جاءني: أي قد رأيته، لكن سيأتي عن ابن حجر الهيتمي أن ذلك كان بعد البعثة، «قالت: قم يا بن عمي فاجلس على فخذي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس على فخذها، قالت: هل تراه؟ قال نعم، قالت، فتحول فاجلس في حجري، فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس في حجرها، قالت: هل تراه؟ قال نعم، فألقت خمارها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في حجرها ثم قالت: هل تراه؟ قال لا، قالت: يابن عمي اثبت وأبشر فو الله إنه لملك ما هذا بشيطان» وإلى ذلك أشار صاحب الهمزية بقوله:

وأتاه في بيتها جبرائيل ... ولذي اللب في الأمور ارتياء

فأماطت عنها الخمار لتدري ... أهو الوحي أم هو الإغماء

فاختفى عند كشفها الرأس جبر ... يل فما عاد أو أعيد الغطاء

فاستبانت خديجة أنه الكن ... ز الذي حاولته والكيمياء

<<  <  ج: ص:  >  >>