الفترة، ودفن بالحجون فلم يكن مسلما، ويؤيده ما جاء في رواية في سندها ضعف عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه مات على نصرانيته. وهذا يدل على أن من أدرك النبوة وصدّق بنبوّته صلى الله عليه وسلم ولم يدرك الرسالة بناء على تأخرها لا يكوم مسلما بل من أهل الفترة، فلما توفي ورقة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لقد رأيت القس يعني ورقة في الجنة وعليه ثياب الحرير» أي والقس بكسر القاف: رئيس النصارى، وبفتحها تتبع الشيء.
هذا، وفي القاموس: القس مثلث القاف: تتبع الشيء وطلبه كالتقسس، وبالفتح صاحب الإبل الذي لا يفارقها، ورئيس النصارى في العلم. وفي رواية «أبصرته في بطنان الجنة وعليه السندس» وفي رواية «قد رأيته، فرأيت عليه ثيابا بيضا، وأحسبه- أي أظنه- لو كان من أهل النار لم تكن عليه ثياب بيض» .
أقول: صريح الرواية الثالثة أنه لم يره في الجنة، فقد تعددت الرؤية. وأما الرواية الثانية فلا تخالف الرواية الأولى لأن السندس من أفراد الحرير، فلا دلالة في ذلك على التعدد، والله أعلم. وفي رواية «لا تسبوا ورقة فإني رأيت له جنة أو جنتين لأنه آمن بي وصدقني» : أي قبل الدعوة التي هي الرسالة، وحينئذ يكون معنى قوله له:«جنة أو جنتين» هيئت له جنة أو جنتان، ولا مانع أن يكون بعض أهل الفترة من أهل الجنة، إذ لو كان مسلما حقيقة بأن أدرك الدعوة وصدّق به لم يقل فيه صلى الله عليه وسلم:
«وأحسبه لو كان من أهل النار لم يكن عليه ثياب بيض» وجزم ابن كثير بإسلامه.
قال بعضهم: وهو الراجح عند جهابذة الأئمة: أي بناء على أنه أدرك الدعوة إلى الله تعالى التي هي الرسالة.
ففي الإمتاع أن ورقة مات في السنة الرابعة من المبعث، ويوافقه ما يأتي عن سيرة ابن إسحق، وعن كتاب الخميس. وحينئذ يكون قوله صلى الله عليه وسلم:«لأنه آمن بي وصدقني» واضحا، لكن ينازع في ذلك قوله:«وأحسبه لو كان أهل النار لم يكن عليه ثياب بيض» وسيأتي عن الذهبي ما يخالفه.
ويخالفه أيضا ما تقدم عن سبط ابن الجوزي أنه من أهل الفترة. وعن يحيى بن بكير قال: سألت جابر بن عبد الله، يعني عن ابتداء الوحي، فقال: لا أحدثك إلا ما حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «جاورت بحراء، فلما قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئا، فنظرت عن يساري فلم أر شيئا فنظرت من خلفي فلم أر شيئا، فرفعت رأسي فرأيت شيئا بين السماء والأرض» أي وفي رواية «فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي» زاد في رواية «متربعا عليه» وفي لفظ «على عرش بين السماء والأرض» فرعبت منه، فأتيت خديجة فقلت: دثروني دثروني» أي وفي رواية «زملوني زملوني، وصبوا عليّ ماء بارد فدثروني وصبوا عليّ