للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

برجعة محمد، وقد قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ [القصص: الآية ٨٥] فمحمد أحق بالرجوع من عيسى. وأظهر أمر الوصية: أي أن عليا رضي الله تعالى عنه أوصى له صلى الله عليه وسلم بالخلافة، وكان هو السبب في إثارة الفتنة التي قتل فيها عثمان رضي الله تعالى عنه كما سيأتي.

ومن غلاة الشيعة من قال بألوهية أصحاب الكساء الخمسة: محمد صلى الله عليه وسلم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم.

ومنهم من قال «بألوهية جعفر الصادق وألوهية آبائه» وهم الحسين وابنه زين العابدين وابن زين العابدين محمد الباقر، وهؤلاء الشيعة موافقون في ذلك لمن يقول بالحلول، وهم الحلاجية أصحاب حسين بن منصور الحلاج. كانوا إذا رأوا صورة جميلة زعموا أن معبودهم حل فيها.

وممن زعم الحلول حتى ادعى الألوهية المقنع عطاء الخراساني، وذلك في سنة ثلاث وستين ومائة ادعى أن الله عز وجل حل في صورة آدم، ثم في صورة نوح ثم إلى أن حل في صورته هو، فافتنن به خلق كثير بسبب التمويهات التي أظهرها لهم، فإنه كان يعرف شيئا من السحر والنيرنجيات، فقد أظهر قمرا يراه الناس من مسافة شهرين من موضعه ثم يغيب. ولما اشتهر أمره ثار عليه الناس وقصدوه ليقتلوه.

وجاؤوا إلى القلعة التي كان متحصنا بها. فلما علم ذلك أسقى أهله سما فماتوا ومات، ودخل الناس تلك القلعة فقتلوا من بقي حي بها من أتباعه.

والقول بالاتحاد كفر، فقد قال العز بن عبد السلام: من زعم أن الإله يحل في شيء من أجسام الناس أو غيرهم فهو كافر، وأشار إلى أنه كافر إجماعا من غير خلاف. وأنه لا يجري فيه الخلاف الذي جرى في تكفير المجسمة، ومن ثم ذكر القاضي عياض في الشفاء أن من ادعى حلول الباري في أحد الأشخاص كان كافرا بإجماع المسلمين.

وقول بعض العارفين وهو أبو يزيد البسطامي: سبحاني ما أعظم شأني، وقوله:

«إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدون. وقوله: وأنا ربي الأعلى، وقوله: أنا الحق وهو أنا وأنا هو: ليس من دعوى الحلول في شيء، وإنما قوله: سبحاني إني أنا الله، محمول على الحكاية: أي قال ذلك على لسان الحق من باب حديث «إن الله تعالى قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده» وقوله أنا ربي الأعلى وأنا الحق الخ. إنما قال ذلك لأنه انتهى سلوكه إلى الله تعالى، بحيث استغرق في بحر التوحيد، بحيث غاب عن كل ما سواه سبحانه، وصار لا يرى في الوجود غيره سبحانه وتعالى، الذي هو مقام الفناء ومحو النفس وتسليم الأمر كله له تعالى، وترك الإرادة منه والاختيار.

فالعارف إذا وصل إلى هذا المقام ربما قصرت عبارته عن بيان ذلك الحال

<<  <  ج: ص:  >  >>