وقد اصطلحوا على تسمية هذا المقام الذي هو مقام الفناء بالاتحاد. ولا مشاحة في الاصطلاح لأنه اتحد مراده بمراد محبوبه، فصار المرادان واحدا لفناء إرادة المحب في مراد المحبوب، فقد فني عن هوى نفسه وحظوظها فصار لا يحب إلا الله ولا يبغض إلا الله، ولا يوالي إلا الله، ولا يعادي إلا لله، ولا يعطي إلا لله، ولا يمنع إلا لله، ولا يرجو إلا لله، ولا يستعين إلا بالله فيكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.
وفي كلام سيدي عليّ رضي الله تعالى عنه حيث أطلق القول بالاتحاد في كلام القوم من الصوفية، فمرادهم فناء مرادهم في مراد الحق جل وعلا، كما يقول بين فلان وفلان اتحاد إذا عمل كل منهما على وفق مراد الآخر وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى [النّحل: الآية ٦٠] هذا كلامه رضي الله تعالى عنه ورضي عنا به، وهذا مقام غير مقام الوحدة المطلقة الخارجة عن دائرة العقل التي ذكر السعد والسيد أن القول بها باطل وضلال: أي لأنه يلزم عليها القول بالجمع بين الضدين.
فقد قال بعض العلماء: حضرة الجمع عبارة عن شهود اجتماع الرب، والعبد في حال فناء العبد، فيكون العبد معدوما موجودا في آن واحد، ولا يدرك ذلك إلا من أشهده الله الجمع بين الضدين، ومن لم يشهد ذلك أنكره. ويجوز أن يكون الجسد للملك متعددا، وعليه فمن الممكن أن يجعل الله لروح الملك قوة يقدر بها على التصرف في جسد آخر غير جسدها المعهود مع تصرفها في ذلك الجسد المعهود كما هو شأن الأبدال، لأنهم يرحلون إلى مكان ويقيمون في مكانهم شبحا آخر مشبها لشبحهم الأصلي بدلا عنه.
وقد ذكر ابن السبكي في الطبقات أن كرامات الأولياء أنواع، وعد منها أن يكون لهم أجساد متعددة، قال: وهذا الذي تسميه الصوفية بعالم المثال، ومنه قصة قضيب البان وغيره: أي كواقعة الشيخ عبد القادر الطحطوطي نفعنا الله تعالى به.
فقد ذكر الجلال السيوطي رحمه الله تعالى أنه رفع إليه سؤال في رجل حلف بالطلاق أن وليّ الله الشيخ عبد القادر الطحطوطي بات عنده ليلة كذا فحلف آخر بالطلاق أنه بات عنده تلك الليلة بعينها، فهل يقع الطلاق على أحدهما! قال:
فأرسلت قاصدي إلى الشيخ عبد القادر فسأله عن ذلك، فقال: ولو قال أربعة إني بت عندهم لصدقوا فأتيت أنه لا حنث على واحد منهما لأن تعدد الصور بالتخيل والتشكل ممكن كما يقع ذلك للجان.
وقد قيل في الأبدال: إنهم إنما سموا أبدالا لأنهم قد يرحلون إلى مكان ويقيمون في مكانهم الأول شبحا آخر شبيها بشبحهم الأصلي بدلا عنه، ويقال عالم