للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب لا، لأنه صلى الله عليه وسلم كان محفوظا في منامه، تنام عيناه ولا ينام قلبه، فإذا كان النوم الذي يسقط فيه الوكاء لا ينقض وضوءه فالحالة التي أكرم فيها بالمسارة وإلقاء الهدى إلى قلبه أولى، لكون طباعه فيها معصومة من الأذى هذا كلامه. وما ذكرناه أولى، لما تقرر أن الإغماء أبلغ من النوم فليتأمل.

وفي كلام الشيخ محيي الدين ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم وجميع من يأتيه الوحي من الأنبياء كان إذا جاءه الوحي يستلقي على ظهره حيث قال: سبب اضطجاع الأنبياء على ظهورهم عند نزول الوحي إليهم أن الوارد الإلهي الذي هو صفة القيومية إذا جاءهم اشتغل الروح الإنساني عن تدبيره، فلم يبق للجسم من يحفظ عليه قيامه ولا قعوده، فرجع إلى أصله وهو لصوقه بالأرض.

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي صدع فيغلف رأسه بالحناء» قيل وهو محمل قول بعض الصحابة إنه صلى الله عليه وسلم كان يخضب بالحناء، وإلا فهو عليه الصلاة والسلام لم يخضب، لأنه لم يبلغ سنا يخضب فيه.

وفيه أنه أمر بالخضاب للشباب، فقد جاء «اختضبوا بالحناء، فإنه يزيد في شبابكم وجمالكم ونكاحكم» وفي مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي لم يستطع أحد منا يرفع طرفه إليه حتى ينقضي الوحي» وفي لفظ «كان إذا نزل عليه صلى الله عليه وسلم الوحي استقبلته الرعدة» وفي رواية «كرب لذلك وتربد له وجهه، وغمض عينيه، وربما غط كغطيط البكر» .

وعن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه: «كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم السورة الشديدة أخذه من الشدة والكرب على قدر شدة السورة، وإذا أنزل عليه السورة اللينة أصابه من ذلك على قدر لينها» .

وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: «كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل» .

وذكر الحافظ ابن حجر أن دوي النحل لا يعارض صلصلة الجرس: أي المتقدم ذكرها، لأن سماع الدوي بالنسبة للحاضرين. والصلصلة بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فالراوي شبه بدويّ النحل، والنبي صلى الله عليه وسلم شبه بصلصلة الجرس: أي فالمراد بهما شيء واحد، والله أعلم.

ومن حالاته: أي حالات الوحي أي حامله أنه كان يأتيه على صورته التي خلقه الله تعالى عليها له ستمائة جناح.

أقول: فيوحى إليه في تلك الحالة كما هو المتبادر. وفيه أنه جاء عن عائشة وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير جبريل على صورته التي

<<  <  ج: ص:  >  >>