ابن العربي رضي الله تعالى عنه، فهذا علم حاصل لا عن قوة من القوى الحسية أو المعنوية، وهذا لا يبعد أن يقع مثله للأولياء بطريق الإرث: أي تجلى له الحق بالتجلي الخاص الذي ما ذكر عبارة عنه. وفي رواية «فعلمت علم الأولين والآخرين» أي ومن حالات الوحي رؤيا النوم، قال صلى الله عليه وسلم:«رؤيا الأنبياء وحي» كما تقدم.
ومن حالات العلم الذي يلقيه الله تعالى في قلبه عند الاجتهاد في الأحكام بناء على ثبوته لا بواسطة ملك، وبذلك فارق النفث في الروع.
وبذكر هذه الأنواع للوحي يعمل أن ما تقدم من حصره في الحالتين المذكورتين عند سؤال الحارث له صلى الله عليه وسلم أغلبيّ أو أن ما عداهما وقع بعد سؤال الحارث له.
وفي «ينبوع الحياة» عن ابن جرير «ما نزل جبريل بوحي قط إلا وينزل معه من الملائكة حفظة يحيطون به وبالنبي الذي يوحي إليه، يطردون الشياطين عنهما، لئلا يسمعوا ما يبلغه جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، من الغيب الذي يوحيه إليه، فيلقوه إلى أوليائهم» ثم رأيته في «الإتقان» ذكر أن من القرآن ما نزل معه الملائكة مع جبريل تشيعه، من ذلك سورة الأنعام، شيعها سبعون ألف ملك، وفاتحة الكتاب شيعها ثمانون ألف ملك، وآية الكرسي شيعها ثمانون ألف ملك، وسورة يس شيعها ثلاثون ألف ملك وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا [الزّخرف: الآية ٤٥] شيعها عشرون ألف ملك، ولعل هذا لا ينافي ما تقدم من أن الغرض من تساقط النجوم عند البعثة حراسة السماء من استراق الشياطين لما يوحى، لجواز أن يكون هذا لحفظ ما يوحى من استراقه في الأرض وبين السماء والأرض.
وعن النخعي: إن أول سورة أنزلت عليه صلى الله عليه وسلم اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: الآية ١] قال الإمام النووي: وهو الصواب الذي عليه الجماهير من السلف والخلف، هذا كلامه.
ولا يخفى أن مراد النخعي بالسورة هنا القطعة من القرآن: أي أوّل آيات أنزلت، فلا ينافي ما تقدم من رواية عمرو بن شرحبيل مما يدل على أن أول سورة أنزلت فاتحة الكتاب، لأن المراد أول سورة كاملة نزلت لا في شأن الإنذار، فلا ينافي ما تقدم من رواية جابر مما يقتضي أن أوّل ما نزل يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)[المدّثّر: الآية ١] لأن المراد بذلك أوّل سورة كاملة نزلت في شأن الإنذار بعد فترة الوحي: أي فإنها نزلت قبل تمام نزول سورة اقرأ، وهذا الجمع تقدم الوعد به، أي لكن يشكل عليه ما في الكشاف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما نزل عليّ القرآن إلا آية آية وحرفا حرفا، ما خلا سورة براءة- وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)[الإخلاص: الآية ١]- فإنهما أنزلتا عليّ ومعهما سبعون ألف صف من الملائكة» فإن هذا السياق يدل على أنه لم ينزل عليه صلى الله عليه وسلم سورة كاملة إلا براءة وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)[الإخلاص: الآية ١] ويخالفه ما في «الإتقان» أن مما نزل جملة سورة الفاتحة وسورة الكوثر، وسورة تبت، وسورة لم يكن، وسورة النصر والمرسلات والأنعام. لكن ذكر ابن