ذلك النور، وأنا رسول الله، وقص عليه ما بعثه الله به فأسلم خالد، وعلم أبوه بذلك، أبوه وهو سعيد أبو أجيحة وكان من عظماء قريش، كان إذا اعتمّ لم يعتم قرشي إعظاما له، ومن ثم قال فيه القائل:
أبا أجيحة من يغتم عمته ... يضرب وإن كان ذا مال وذا عدد
وعند إسلام ولده خالد أرسل في طلبه فانتهره وضربه: أي بمقرعة كانت في يده حتى كسرها على رأسه، ثم قال: اتبعت محمدا وأنت ترى خلافه لقومه، وما جاء به من عيب آلهتهم وعيب من مضى من آبائهم، فقال: والله تبعته على ما جاء به، فغضب أبوه وقال: اذهب يا لكع حيث شئت، وقال: والله لأمنعنك القوت، قال إن منعتني فإن الله يرزقني ما أعيش به، فأخرجه وقال لبنيه ولم يكونوا أسلموا: لا يكلمه أحد منكم إلا صنعت به، فانصرف خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يلزمه ويعيش معه، ويغيب عن أبيه في نواحي مكة، حتى خرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية، فكان خالد أول من هاجر إليها.
وذكر عن والده سعيد أنه مرض فقال إن رفعني الله من مرضي هذا لا يعبد إله ابن أبي كبشة بمكة أبدا، فقال خالد عند ذلك: اللهم لا ترفعه، فتوفي في مرضه ذلك. وخالد هذا أول من كتب بسم الله الرحمن الرحيم، وأسلم أخوه عمرو بن سعيد بن العاص رضي الله تعالى عنه.
قيل وسبب إسلامه أنه رأى نورا خرج من زمزم أضاءت له منه نخل المدينة حتى رأى البسر فيها، فقص رؤياه، فقيل له هذه بئر بني عبد المطلب، وهذا النور منهم يكون فكان سببا لإسلامه، وتقدم قريبا أن هذه الرؤيا وقعت لخالد، فكانت سبب إسلامه، وأنه قصها على أخيه عمرو المذكور، فهو من خلط بعض الرواة، إلا أن يقال لا مانع من تعدد هذه الرؤية لخالد ولأخيه عمرو، وأنها كانت سببا لإسلامهما، وأسلم من بني سعيد أيضا أبان والحكم الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله.
أي ومن السابقين للإسلام صهيب، كان أبوه عاملا لكسرى، أغارت الروم عليهم فسبت صهيبا وهو غلام صغير، فنشأ في الروم حتى كبر، ثم ابتاعه جماعة من العرب وجاؤوا به إلى سوق عكاظ، فابتاعه منهم بعض أهل مكة، أي وهو عبد الله ابن جدعان فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ صهيب على دار رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى عمار ابن ياسر، فقال له عمار بن ياسر: أين تريد يا صهيب؟ قال: أريد أن أدخل إلى محمد فاسمع كلامه وما يدعو إليه، قال عمار: وأنا أريد ذلك، فدخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهما بالجلوس فجلسا، وعرض عليهما السلام، وتلا عليهما ما حفظ من القرآن، فتشهدا ثم مكثا عنده يومهما ذلك حتى أمسيا خرجا مستخفيين،