للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن فاطمة رضي الله تعالى عنها قالت: «اجتمعت مشركو قريش في الحجر، فقالوا إذا مر محمد فليضربه كل واحد منا ضربة فسمعت فدخلت على أبي فذكرت ذلك له: أي قالت له وهي تبكي، تركت الملأ من قريش قد تعاقدوا في الحجر، فحلفوا باللات والعزى ومناة وإساف ونائلة إذا هم رأوك يقومون إليك فيضربونك بأسيافهم فيقتلونك فقال صلى الله عليه وسلم: يا بنية اسكتي، وفي لفظ: لا تبكي، ثم خرج صلى الله عليه وسلم أي بعد أن توضأ فدخل عليهم المسجد، فرفعوا رؤوسهم ثم نكسوا فأخذ قبضة من تراب فرمى بها نحوهم، ثم قال: شاهت الوجوه فما أصاب رجلا منهم إلا قتل ببدر» .

أي وكان بجواره صلى الله عليه وسلم جماعة منهم أبو لهب والحكم بن أبي العاص بن أمية والد مروان وعقبة بن أبي معيط فكانوا يطرحون عليه صلى الله عليه وسلم الأذى فإذا طرحوه عليه أخذه وخرج به ووقف على بابه ويقول: يا بني عبد مناف أيّ جوار هذا ثم يلقيه في الطريق، ولم يسلم ممن ذكر إلا الحكم وكان في إسلامه شيء. وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم نفاه إلى وج الطائف، وأنه سيأتي السبب في نفيه، وأشار صاحب الهمزية إلى أن هذه الأذية له صلى الله عليه وسلم لا يظن ظانّ أنها منقصة له صلى الله عليه وسلم، بل هي رفعة له، ودليل على فخامة قدره وعلو مرتبته وعظيم رفعته ومكانته عند ربه، لكثرة صبره وحلمه واحتماله مع علمه باستجابة دعائه ونفوذ كلمته عند الله تعالى وقد قال صلى الله عليه وسلم: «أشد الناس بلاء الأنبياء» وذلك سنة من سنن النبيين السابقين عليهم الصلاة والسلام بقوله:

لا تخل جانب النبي مضاما ... حين مسته منهم الأسواء

كل أمر ناب النبيين فالش ... دة فيه محمودة والرخاء

لو يمس النضار هون من النا ... ر لما اختير للنضار الصلاء

أي لا تظن أن النبي صلى الله عليه وسلم حصل له الضيم وقت مسته الأذيات حالة كونها صادرة منهم، لأن كل أمر من الأمور العظيمة التي أصابت النبيين فالشدة التي تحصل لهم منه محمودة، لأنها لرفع الدرجات، والضيقة التي تحصل لهم أيضا محمودة، لأنه لو كان يمس الذهب هوان من إدخاله النار لما اختير له العرض على النار، فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام كالذهب والشدائد التي تصيبهم كالنار التي يعرض عليها الذهب، فإن ذلك لا يزيد الذهب إلا حسنا، فكذلك الشدائد لا تزيد الأنبياء إلا رفعة.

قال: ومما وقع لأبي بكر رضي الله تعالى عنه من الأذية، ما ذكره بعضهم «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل دار الأرقم ليعبد الله تعالى ومن معه من أصحابه فيها سرا أي كما تقدم، وكانوا ثمانية وثلاثين رجلا ألحّ أبو بكر رضي الله تعالى عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور. أي الخروج إلى المسجد- فقال: يا أبا بكر إنا قليل، فلم

<<  <  ج: ص:  >  >>