للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يزل به حتى خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من أصحابه إلى المسجد، وقام أبو بكر في الناس خطيبا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ودعا إلى الله ورسوله، فهو أول خطيب دعا إلى الله تعالى، وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين يضربونهم فضربوهم ضربا شديدا، ووطئ أبو بكر بالأرجل وضرب ضربا شديدا، وصار عتبة بن ربيعة يضرب أبا بكر بنعلين مخصوفتين، أي مطبقتين ويحرفهما إلى وجهه حتى صار لا يعرف أنفه من وجهه، فجاءت بنو تيم يتعادون، فأجلت المشركين عن أبي بكر وحملوه في ثوب إلى أن أدخلوه منزله، ولا يشكون في موته، أي ثم رجعوا فدخلوا المسجد، فقالوا والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة، ثم رجعوا إلى أبي بكر وصار والده أبو قحافة وبنو تيم يكلمونه فلا يجيب، حتى إذا كان آخر النهار تكلم وقال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعذلوه، فصار يكرر ذلك، فقالت أمه والله ما لي علم بصاحبك، فقال اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب أخت عمر بن الخطاب: أي فإنها كانت أسلمت رضي الله تعالى عنها كما تقدم، وهي تخفي إسلامها فأسأليها عنه، فخرجت إليها وقالت لها، إن أبا بكر يسأل عن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: لا أعرف محمدا ولا أبا بكر، ثم قالت لها: تريدين أن أخرج معك؟ قالت نعم، فخرجت معها إلى أن جاءت أبا بكر رضي الله تعالى عنه فوجدته صريعا، فصاحت وقالت إن قوما نالوا هذا منك لأهل فسق، وإني لأرجو أن ينتقم الله منهم، فقال لها أبو بكر، ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت له: هذه أمك تسمع، قال: فلا عين عليك منها، أي أنها لا تفشي سرك، قالت سالم، فقال: أين هو؟ فقالت في دار الأرقم، فقال والله لا أذوق طعاما ولا أشرب شرابا أو آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت أمه: فأمهلناه حتى إذا هدأت الرجل وسكن الناس فخرجنا به يتكئ عليّ حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرق له رقة شديدة، وأكب عليه يقبله، وأكب عليه المسلمون كذلك، فقال: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، ما بي من بأس إلا ما نال الناس من وجهي، وهذه أمي برة بولدها، فعسى الله أن ينقذها بك من النار، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاها إلى الإسلام فأسلمت انتهى.

هذا، وذكر الزمخشري في كتابه خصائص العشرة أن هذه الواقعة حصلت لأبي بكر لما أسلم وأخبر قريشا بإسلامه فليتأمل، فإنّ تعدد الواقعة بعيد.

ومما وقع لابن مسعود رضي الله تعالى عنه من الأذية أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا يوما، فقال: والله ما سمعت قريش القرآن جهرا إلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن فيكم يسمعهم القرآن جهرا؟ فقال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، أنا فقالوا نخشى عليك منهم، إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم، فقال: دعوني فإن الله سيمنعني منهم. ثم إنه قام عند المقام وقت الشمس وقريش في أنديتهم فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>