قال: أتشتمه؟ فأنا على دينه أقول ما يقول، فرد عليّ ذلك إن استطعت.
أي وفي لفظ: أن حمزة لما قام على رأس أبي جهل بالقوس صار أبو جهل يتضرع إليه ويقول: سفه عقولنا وسب آلهتنا، وخالف آباءنا قال ومن سفه منكم؟
تعبدون الحجارة من دون الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، فقامت رجال من بني مخزوم: أي من عشيرة أبي جهل إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقالوا: ما نراك إلا قد صبأت، فقال حمزة: وما يمنعني وقد استبان لي منه، أنا أشهد أنه رسول الله وأن الذي يقوله حق، والله لا أنزع فامنعوني إن كنتم صادقين.
فقال لهم أبو جهل: دعوا أبا عمارة: أي ويكنى أيضا بأبي يعلى اسم ولد له أيضا فإني والله لقد أسمعت ابن أخيه شيئا قبيحا، وتم حمزة على إسلامه: أي استمر، أي بعد أن وسوس له الشيطان، فقال لنفسه لما رجع إلى بيته أنت سيد قريش اتبعت هذا الصابي وتركت دين آبائك؟ الموت خير لك مما صنعت، ثم قال: اللهم إن كان رشدا فاجعل تصديقه في قلبي وإلا فاجعل لي مما وقعت فيه مخرجا فبات بليلة، ثم لم يبت بمثلها من وسوسة الشيطان حتى أصبح، فغدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
يا ابن أخي إني قد وقعت في أمر لا أعرف المخرج منه، وإقامة مثلي على ما لا أدري أرشد هو أم غيّ شديد فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره ووعظه وخوفه وبشره، فألقى الله تعالى في قلبه الإيمان بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أشهد أنك لصادق، فأظهر يا ابن أخي دينك.
وقد قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إن هذه الواقعة سبب لنزول قوله تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ [الأنعام: الآية ١٢٢] يعني حمزة كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها [الأنعام: الآية ١٢٢] يعني أبا جهل، وسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلام حمزة سرورا كبيرا لأنه كان أعز فتى في قريش وأشدهم شكيمة: أي أعظمهم في عزة النفس وشهامتها، ومن ثمّ لما عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عزّ كفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه صلى الله عليه وسلم، وأقبلوا على بعض أصحابه بالأذية سيما المستضعفين منهم الذين لا جوار لهم: أي لا ناصر لهم، فإن كل قبيلة غدت على من أسلم منها تعذبه وتفتنه عن دينه بالحبس والضرب، والجوع والعطش، وغير ذلك: أي حتى أن الواحد منهم ما يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضرب الذي به، وكان أبو جهل يحرضهم على ذلك، وكان إذا سمع بأن رجلا أسلم وله شرف ومنعة جاء إليه ووبخه وقال له: ليغلبن رأيك وليضعفن شرفك، وإن كان تاجرا قال: والله لتكسدنّ تجارتك ويهلك مالك، وإن كان ضعيفا أغرى به حتى أن منهم من فتن عن دينه ورجع إلى الشرك، كالحارث بن ربيعة بن الأسود، وأبي قيس بن الوليد بن المغيرة، وعلي بن أمية بن خلف والعاص بن منبه بن الحجاج، وكل هؤلاء قتلوا على كفرهم يوم بدر.