للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وممن فتن عن دينه وثبت عليه ولم يرجع للكفر بلال رضي الله تعالى عنه وكان مملوكا لأمية بن خلف، فعن بعضهم أن بلالا كان يجعل في عنقه حبل يدفع إلى الصبيان يلعبون به ويطوفون به في شعاب مكة وهو يقول «أحد، أحد» بالرفع والتنوين أو بغير تنوين: أي الله أحد أو يا أحد، فهو إشارة لعدم الإشراك، وقد أثر الحبل في عنقه.

وعن ابن إسحق أن أمية بن خلف كان يخرج بلالا إذا حميت الظهيرة بعد أن يجيعه ويعطشه يوما وليلة فيطرحه على ظهره في الرمضاء أي الرمل إذا اشتدت حرارته لو وضعت عليه قطعة لحم لنضجت، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول له لا تزال هكذا، حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى، فيقول أحد أحد: أي أنا لا أشرك بالله شيئا، أنا كافر باللات والعزى.

أي وقيل كان بلال مولدا من مولدي مكة، وكان لعبد الله بن جدعان التيمي وكان من جملة مائة مملوك مولدة له، فلما بعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أمر بهم فأخرجوا من مكة: أي خوف إسلامهم، فأخرجوا إلا بلالا فإنه كان يرعى غنمه، فأسلم بلال وكتم إسلامه فسلح بلال يوما على الأصنام التي حول الكعبة.

ويقال إنه صار يبصق عليها ويقول خاب وخسر من عبدكنّ، فشعرت به قريش فشكوه إلى عبد الله وقالوا له أصبوت؟ قال ومثلي يقال له هذا، فقالوا له إن أسودك صنع كذا وكذا فأعطاهم مائة من الإبل ينحرونها للأصنام ومكنهم من تعذيب بلال، فكانوا يعذبونه بما تقدم، أي ويجوز أن يكون ابن جدعان بعد ذلك ملكه لأمية بن خلف.

فلا يخالفه ما تقدم من أن أمية بن خلف كان يتولى تعذيبه، وما يأتي من أنا أبا بكر رضي الله عنه اشتراه منه. ويقال إنه صلى الله عليه وسلم مر عليه وهو يعذب فقال سينجيك أحد أحد.

أي وقيل مر عليه ورقة بن نوفل، وهو يقول أحد أحد فقال نعم أحد أحد والله يا بلال، ثم أتى إلى أمية، وقال له: والله لئن قتلتموه على هذا لأتخذنه حنانا أي لأتخذن قبره منسكا ومسترحما، لأنه من أهل الجنة، وتقدم أن هذا يدل على أن ورقة أدرك البعثة التي هي الرسالة، وتقدم ما فيه، فكان بلال بقوله أحد أحد يمزج مرارة العذاب بحلاوة الإيمان.

وقد وقع له رضي الله تعالى عنه أنه لما احتضر وسمع امرأته تقول واحزناه صار يقول: واطرباه، غدا ألقى الأحبة محمدا وحزبه، فكان بلال يمزج مرارة الموت بحلاوة اللقاء.

وقد ذكر بعضهم أن هذا قاله أبو موسى الأشعري، ومن معه لما وفدوا عليه صلى الله عليه وسلم وهو في خيبر: أي صاروا يقولون: غدا نلقى الأحبة، محمدا وحزبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>