ونمو فاق الحصر، فأطالوا في تلك السور الشك فقالوا سحر وتمويه لا حقيقة له، وقالوا مرة أخرى أساطير الأولين، وإذا كانت الحجج والبراهين لم تفدهم شيئا من الهدى، فطلب الهدى منهم بتلك الحجج تعب لا يفيد شيئا، وإذا ضلت العقول عن طرق الحق مع علم منها بتلك الطرق فأي قول يقوله الفصحاء: أي وقال الوليد بن المغيرة يوما: أينزل القرآن على محمد، وأترك أنا وأنا كبير قريش وسيدها، ويترك أبو مسعود الثقفي سيد ثقيف ونحن عظماء القريتين: أي مكة والطائف؟ فأنزل الله تعالى وَقالُوا لَوْلا [الأنعام: الآية ٨] أي هلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١)[الزخرف: الآية ٣١] أي أعظم وأشرف من محمد صلى الله عليه وسلم، فرد الله تعالى عليهم بقوله: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ [الزّخرف: الآية ٣٢] الآية.
وفي لفظ قال بعضهم:«كان الأحق بالرسالة الوليد بن المغيرة من أهل مكة أو عروة بن مسعود الثقفي من أهل الطائف» . ثم لا يخفى أن كفار قريش بعثوا مع النضر بن الحارث عقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة وقالوا لهما: أسألهم عن محمد وصفا لهم صفته وأخبراهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول: أي التوراة، لأنه قبل الإنجيل وعندهم علم ليس عندنا، فخرجا، حتى قدما المدينة وسألا أحبار يهود: أي قالا لهم: أتيناكم لأمر حدث فينا، منا غلام يتيم حقير يقول قولا عظيما، يزعم أنه رسول الله. وفي لفظ «رسول الرحمن، قالوا صفوا لنا صفته، فوصفوا، قالوا فمن يتبعه منكم؟ قالوا سفلتنا، فضحك حبر منهم وقالوا: هذا النبي الذي نجد نعته ونجد قومه أشد الناس له عداوة.
قالت لهم أحبار اليهود: سلوه عن ثلاث، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول. سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول: أي وهم أهل الكهف ما كان من أمرهم؟ فإنه قد كان لهم حديث عجيب. وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها: أي وهو ذو القرنين ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هي؟ فإذا أخبركم بذلك: أي بحقيقة الأولين وبعارض من عوارض الثالث، وهو كونها من أمر الله فاتبعوه فإنه نبي، فرجع النضر وعقبة إلى قريش وقالا لهم: قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد وأخبراهم الخبر، فجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه عن ذلك، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: أخبركم غدا، ولم يستثن: أي لم يقل إن شاء الله تعالى وانصرفوا، فمكث صلى الله عليه وسلم خمسة عشرة يوما، وقيل ثلاثة أيام، وقيل أربعة أيام لا يأتيه الوحي، وتكلمت قريش في ذلك بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن محمدا قلاه ربه وتركه: أي ومن جملة من قال ذلك له صلى الله عليه وسلم أم جميل امرأة عمه أبي لهب، قالت له: ما أرى صاحبك إلا وقد ودعك وقلاك: أي تركك وبغضك. وفي رواية قالت: امرأة من قريش: أبطأ عليه شيطانه، وشقّ عليه صلى الله عليه وسلم ذلك منهم. ثم جاءه