أو لم يكفهم من الله ذكر ... فيه للناس رحمة وشفاء
أعجز الإنس آية منه والجن ... فهلا يأتي به البلغاء
كل يوم يهدي إلى سامعيه ... معجزات من لفظه القراء
تتحلى به المسامع والأف ... واه فهو الحلي والحلواء
رقّ لفظا وراق معنى فجاءت ... في حلاها وحليها الخنساء
وأرتنا فيه غوامض فضل ... رقة من زلاله وصفاء
إنما تجتلي الوجوه إذا ما ... جليت عن مرآتها الأصداء
سور منه أشبهت صورا من ... اومثل النظائر النظراء
والأقاويل عندهم كالتماث ... يل فلا يوهمنك الخطباء
كم أبانت آياته عن علوم ... من حروف أبان عنها الهجاء
فهي كالحب والنوى أعجب الزرا ... ع منها سنابل وزكاء
فأطالوا فيه التردد والري ... ب فقالوا سحر وقالوا افتراء
وإذا البينات لم تغن شيئا ... فالتماس الهدى بهن عناء
وإذا ضلت العقول على عل ... م فماذا تقوله الفصحاء
أي أو لم يكفهم عما سألوه عنادا ذكر واصل إليهم، حالة كونه من الله تعالى رحمة وشفاء للناس والجن والملائكة، أعجز الإنس والجن آية منه، فهلا يأتي بتلك الآية أهل البلاغة، كل وقت يهدي قراؤه إلى سامعيه معجزات من لفظه، ولذلك تتحلى بسماعه المسامع، من التحلية التي هي لبس الحلي، وتتحلى بألفاظه الأفواه من الحلواء فهو الحلي، والحلواء حسن من جهة اللفظ، وتصفى من شوائب النقص من جهة المعنى، فأرتنا رقة من زلاله، وصفاء من ذلك الزلال، خبايا فضل فيه وهي العلوم المستنبطة منه، وإنما تظهر الوجوه ظهورا واضحا لإخفاء معه بوجه إذا قوبلت بمرآه، وقت جلاء الأصداء عن تلك المرآة سور منه أشبهت صورا منا، من حيث اشتمال كل صورة منا على عقل وفهم، وخلق لا يشاركه فيه غيره، والأقاويل الصادرة من الكفار في القرآن كالصور التي يصورها المصورون فإنه لا وجود لها في الحقيقة؛ فما قالوه في القرآن باطل قطعي البطلان، فاحذر الخطباء أن توقع في وهمك أن ما تأتي به يقارب القرآن، كم أوضحت آياته علوما حالة كونها متولدة من حروف قليلة كشف عنها التهجي، كالحب الذي يلقيه الزارع، والنوى الذي يلقيه الغارس، أعجب الزراع والغراس منها: أي من تلك الحبوب والنوى سنابل وثمار