قط فقلت لا، فتبسم صلى الله عليه وسلم واستغفر لي، أي فكان يأتي بالأول حيث لا يكون المقام يقتضي الاقتصار على السكوت، ولعل هذا في غير رمضان.
فلا يخالف ما رواه البزار عن أنس رضي الله تعالى عنه قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل شهر رمضان أطلق كل أسير وأعطى كل سائل» وبين الشيخ ابن الجوزي في النشر سبب إلحاح هذا السائل، فقال:«إن النبي صلى الله عليه وسلم أهدي إليه قطف عنب قبل أوانه، فهمّ أن يأكل منه، فجاءه سائل فقال: أطعموني مما رزقكم الله، فسلم إليه ذلك القطف، فلقيه بعض الصحابة فاشتراه منه وأهداه للنبي صلى الله عليه وسلم، فعاد السائل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأعطاه إياه، فلقيه رجل آخر من الصحابة فاشتراه منه وأهداه للنبي صلى الله عليه وسلم، فعاد السائل فسأله فانتهره وقال: إنك ملحّ» قال: وهذا سياق غريب جدا، وهو معضل.
وقيل سبب ذلك غير ذلك، من ذلك الغير «أن جبريل عليه السلام لما قال له صلى الله عليه وسلم: ما حبسك عني؟ قال: كيف نأتيكم وأنتم لا تقصون أظفاركم، ولا تنقون براجمكم، ولا تأخذون شعوركم، ولا تستاكون» .
أقول: واختلاف هذه الأسباب ظاهر في أن الواقعة متعددة. ولا ينافيه قوله:
ونزلت: أي آية سورة الضحى ردا عليهم في قولهم إن محمدا قلاه ربه وتركه، وهي ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣)[الضّحى: الآية ٣] أي ما قطعك قطع المودع، وما أبغضك، لأنه يجوز أن يكون مما تكرر نزوله لاختلاف سببه.
ويمكن أن يقال: يجوز أن تكون الواقعة واحدة وتعددت أسبابها. ولا ينافيه إخبار جبريل عليه السلام تارة بأن سبب احتباسه عدم قص الأظفار وما ذكر معه، وتارة بأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب، وتارة بقوله: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ [مريم: الآية ٦٤] كما يأتي قريبا، وكما سيأتي في قصة الإفك، لكن قال الحافظ ابن حجر: قصة إبطال جبريل بسبب الجرو مشهورة، لكن كونها سبب نزول الآية أي ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣)[الضّحى: الآية ٣] غريب فالمعتمد ما في الصحيح هذا كلامه.
أقول: ومما يدل على أن واقعة الجرو كانت بالمدينة ما في بعض التفاسير أن هذا الجرو كان للحسن والحسين رضي الله عنهما، وما رواه مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت:«واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في ساعة أن يأتيه، فجاء تلك الساعة ولم يأته فيها، قالت: وكان بيده عصا فطرحها من يده وهو يقول:
ما يخلف الله وعده ولا رسله، ثم التفت فإذا كلب تحت السرير، فقال: متى دخل هذا الكلب؟ فقلت: والله ما دريت به، فأمر به فأخرج، فجاء جبريل عليه الصلاة والسلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعدتني فجلست لك ولم تأت؟ فقال: منعني الكلب الذي كان في بيتك، إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة» .