أكفيكهم، فلما مر الوليد بن المغيرة قال له: يا محمد كيف تجد هذا؟ فقال: بئس عبد الله، فأومأ إلى ساق الوليد وقال كفيته، ومرّ العاص بن وائل، فقال: كيف تجد هذا يا محمد؟ قال عبد سوء، فأشار إلى أخمصه وقال كفيته، ثم مرّ الأسود بن المطلب فقال كيف تجد هذا يا محمد؟ قال: عبد سوء، فأومأ إلى عينه، وقال كفيته، ثم مر الأسود بن عبد يغوث فقال: كيف تجد هذا يا محمد؟ قال عبد سوء، فأومأ إلى رأسه وقال كفيته، ثم مر الحارث بن عيطلة فقال: كيف تجد هذا يا محمد؟ قال: عبد سوء، فأومأ إلى بطنه وقال كفيته» وحينئذ يكون معنى كفاية هذا له صلى الله عليه وسلم أنه لم يسع ولم يتكلف في تحصيل ذلك، وإلى هذا أشار الإمام السبكي في تائيته بقوله:
وجبريل لما استهزأت فرقة الردى ... أشار إلى كل بأقبح ميتة
والله أعلم.
قال: وروى الزهري «أن الأسود بن عبد يغوث خرج من عند أهله فأصابته السموم فاسودّ وجهه، فأتى أهله فلم يعرفوه وأقفلوا دونه الباب، وسلط عليه العطش فلا زال يشرب الماء حتى انشق بطنه» وهذا يناسب ما سيأتي عن الهمزية، ولا يناسب أن جبريل عليه الصلاة والسلام أشار إلى رأسه، وفي كلام البلاذري عن عكرمة «أن جبريل أخذ بعنق الأسود بن عبد يغوث فحنى ظهره حتى احقوقف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خالي خالي» أي لأنه كما تقدم ابن خاله، فهو إما على حذف المضاف، أو لأجل مراعاة أبيه: أي يراعى لأجل أبيه الذي هو خالي «فقال جبريل:
يا محمد دعه» وفي رواية «قال له جبريل: خلّ عنك، ثم حثاه حتى قتله» وهذا لا يناسب كون جبريل أشار إلى رأسه.
والمناسب لذلك ما ذكره بعضهم أنه امتخض رأسه قيحا، ثم لم يزل يضرب برأسه أصل شجرة حتى مات، وكذا الحارث بن عيطلة: أي وفي كلام القاضي وحارث بن قيس.
وفي تكملة الجلال السيوطي عدي بن قيس، فقد أكل حوتا مملحا فلم يزل يشرب عليه الماء حتى انقدّ بطنه، وهذا المناسب لما ذكر هنا أن جبريل أشار إلى بطنه، لكن لا يناسب ما قاله القاضي البيضاوي أنه أشار إلى أنفه فامتخض قيحا.
وأما الأسود بن المطلب فقد عمي بصره. فقد ذكر «أنه خرج ليستقبل ولده، وقد قدم من الشام، فلما كان ببعض الطريق جلس في ظل شجرة، فجعل جبريل يضرب وجهه وعينيه بورقة من ورقها حتى عمي، فجعل يستغيث بغلامه، فقال له غلامه: لا أحد يصنع بك شيئا: أي وقيل ضربه بغصن فيه شوك، فسالت حدقتاه،