وبعضهم فعل ذلك عجزا، وممن فعل ذلك تكبرا أبو لهب، فقد جاء «وفيها سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد معه المؤمنون والمشركون والجن والإنس، غير أبي لهب فإنه رفع حفنة من تراب إلى جبهته، وقال يكفي هذا» .
ولا يخالف ذلك ما نقل عن ابن مسعود «ولقد رأيت الرجل أي الفاعل لذلك قتل كافرا» لأنه يجوز أن يكون المراد بقتل مات «فعند ذلك قال المشركون له صلى الله عليه وسلم:
قد عرفنا أن الله تعالى يحيي ويميت ويخلق ويرزق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده فأما إذا جعلت لنا نصيبا فنحن معك، فكبر ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس في البيت» .
وفيه أنه كيف يكبر عليه صلى الله عليه وسلم ذلك مع أنه موافق لما تمناه من أن الله ينزل عليه ما يقارب بينه وبين المشركين حرصا على إسلامهم المتقدم ذلك عن سيرة الدمياطي، إلا أن يقال هذا كان بعد ما عرض السورة على جبريل، وقال له: ما جئتك بهاتين الكلمتين المذكور ذلك في قولنا: «فلما أمسى صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل: فعرض عليه السورة وذكر الكلمتين فيها، فقال له جبريل: ما جئتك بهاتين الكلمتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قلت على الله ما لم يقل أي فكبر عليه ذلك- فأوحى الله تعالى إليه ما في سورة الإسراء وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ [الإسراء:
الآية ٧٣] بموافقتك لهم على مدح آلهتهم بما لم نرسل به إليك وإذا لو فعلت أي دمت عليه لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا [الإسراء: الآية ٧٣] إلى قوله ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً [الإسراء:
الآية ٧٥] أي مانعا يمنع العذاب عنك، وهذا يدل لما تقدم أنه تكلم بذلك ظانا أنه من جملة ما أوحي إليه.
وقيل نزل ذلك لما قال له اليهود حسدا له صلى الله عليه وسلم على إقامته بالمدينة: لئن كنت نبيا فالحق بالشام لأنها أرض الأنبياء حتى نؤمن بك، فوقع ذلك في قلبه فخرج برحله فنزلت، فرجع أي بدليل ما بعدها. وقيل إن التي بعدها نزلت في أهل مكة وقيل إن آية وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ [الإسراء: الآية ٧٣] نزلت في ثقيف، قالوا: لا ندخل في أمرك حتى تعطينا خلالا نفتخر بها على العرب: لا نعشر، ولا نحشر، ولا ننحني في صلاتنا، وكل ربا لنا فهو لنا، وكل ربا علينا فهو موضوع عنا، وأن تمتعنا باللات سنة، وأن تحرم وادينا كما حرمت مكة، فإن قالت العرب لم فعلت ذلك؟ فقل إن الله أمرني.
وقيل نزلت في قريش قالوا: لا نمكنك من استلام الحجر حتى تلمّ بآلهتنا وتمسها بيدك.
وقد يدعى أن هذا مما تعدد أسباب نزوله، والقاضي البيضاوي اقتصر على ما عدا الأول، والله أعلم.