فلما مات أرسل له صلى الله عليه وسلم قميصه ليكفن فيه، لأنه يجوز أن يكون إرساله للقميص بسؤال ولده له صلى الله عليه وسلم بعد موت أبيه.
قال في الكشاف: فإن قلت: كيف جازت له صلى الله عليه وسلم تكرمة المنافق وتكفينه في قميصه.
قلت: كان ذلك مكافأة له على صنيع سبق له؛ وذلك أن العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخذ أسيرا ببدر لم يجدوا له قميصا، وكان رجلا طوالا، فكساه عبد الله قميصه: أي ولأن الضنة بإرساله القميص سيما وقد سئل فيه مخلّ بالكرم، وقال له المشركون يوم الحديبية: إنا لا نأذن لمحمد ولكن نأذن لك، فقال: لا، إن لي في رسول الله أسوة حسنة، فشكر رسول الله صلى الله عليه وسلم له ذلك وإكراما لابنه.
وفي هذا تصريح بأن ابن أبي كان مع المسلمين في بدر وفي الحديبية. ثم إن ابنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي عليه، فقال له: أسألك أن تقوم على قبره لا تشمت به الأعداء: أي وذلك بعد سؤال ولده له صلى الله عليه وسلم في ذلك كما تقدم عن القاضي البيضاوي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقام عمر رضي الله تعالى عنه، فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما خيرت، فقال اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التّوبة: الآية ٨٠] وسأزيده على السبعين، وفي رواية:
أتصلي على ابن أبيّ وقد قال يوم كذا كذا وكذا؟ أعدّ عليه قوله، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أخر عني يا عمر، فلما أكثرت عليه قال: إني خيرت، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ [التّوبة: الآية ٨٤] إلى قوله وَهُمْ فاسِقُونَ [التّوبة: الآية ٨٤] ولينظر ما معنى التخيير في الآية، وما الجمع بين قوله «سأزيد على السبعين» وقوله «ولو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها» ؟.
ثم رأيت القاضي البيضاوي قال في وجه التخيير: وقوله سأزيد على السبعين إنه صلى الله عليه وسلم فهم من السبعين العدد المخصوص لأنه الأصل، فجوّز أن يكون ذلك حدا يخالفه حكم ما وراءه، فبين له: أي الحق سبحانه أن المراد به التكثير بقوله في الآية الأخرى سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [المنافقون:
الآية ٦] هذا كلامه وحينئذ يشكل قوله «لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها» فإن هذا مقتض لعدم الصلاة عليه، لا للصلاة عليه فليتأمل، وقد قال علي رضي الله تعالى عنه: إن في القرآن لقرآنا من رأي عمر، وما قال الناس في شيء وقال فيه عمر إلا جاء القرآن بنحو ما يقول عمر.
وقد أوصل بعضهم موافقاته: أي الذي نزل القرآن على وفق ما قال وما أراد