للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويفصح بلعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه على المنبر، فلا عبرة بذمه.

وقيل لزمزم طيبة لأنها للطيبين والطيبات من ولد إبراهيم، وقيل لها برة لأنها فاضت للأبرار، وقيل لها المضنونة لأنها ضن بها على غير المؤمنين، فلا يتضلع منها منافق، وقد جاء في رواية «يقول الله تعالى ضننت بها على الناس إلا عليك» ولعل المراد إلا على أتباعك، فيكون بمعنى ما قبله. وفي رواية أنه قيل لعبد المطلب احفر زمزم، ولم يذكر له علامتها فجاء إلى قومه وقال لهم: إني قد أمرت أن أحفر زمزم، قالوا: فهل بين لك أين هي؟ قال لا، قالوا فارجع إلى مضجعك الذي رأيت فيه ما رأيت، فإن يكن حقا من الله تعالى بين لك، وإن يكن من الشيطان فلن يعود إليك، فرجع عبد المطلب إلى مضجعه فنام فيه فأتاه فقال احفر زمزم إنك إن حفرتها لن تندم، وهي ميراث من أبيك الأعظم، لا تنزف أبدا ولا تذم، تسقي الحجيج الأعظم، فقال عبد المطلب: أين هي؟ فقال: هي بين الفرث والدم، عند قرية النمل حيث ينقر الغراب الأعصم غدا: أي والأعصم، قيل أحمر المنقار والرجلين، وقيل أبيض البطن، وعلى هذا اقتصر الإمام الغزالي حيث قال في قوله صلى الله عليه وسلم «مثل المرأة الصالحة في النساء مثل الغراب الأعصم بين مائة غراب» يعني الأبيض البطن، هذا كلامه. وقيل الأعصم أبيض الجناحين، وقيل أبيض إحدى الرجلين، فلما كان الغد ذهب عبد المطلب وولده الحارث ليس له ولد غيره، فوجد قرية النمل، ووجد الغراب ينقر عندها بين الفرث والدم: أي في محلهما وذلك بين إساف ونائلة:

الصنمين اللذين تقدم ذكرهما، وتقدم أن قريشا كانت تذبح عندهما ذبائحها: أي التي كانت تتقرب بها، وهذا يبعد ما جاء في رواية أنه لما قام بحفرها رأى ما رسم له من قرية النمل ونقرة الغراب، ولم ير الفرث والدم فبينما هو كذلك ندت بقرة من ذابحها فلم يدركها حتى دخلت المسجد فنحرها في الموضع الذي رسم له.

وقد يقال لا يبعد لأنه يجوز أن يكون فهم أن يكون الفرث والدم موجودين بالفعل فلا يلزم من كون المحل المذكور محلهما وجودهما فيه في ذلك الوقت، فلم يكتف بنقرة الغراب في محلهما، فأرسل الله له تلك البقرة ليرى الأمر عيانا.

وذكر السهيلي رحمه الله لذكر هذه العلامات الثلاث حكمة لا بأس بها، ولعل إسافا ونائلة نقلا بعد ذلك إلى الصفا والمروة بعد أن نقلهما عمرو بن لحي من جوف الكعبة إلى المحل المذكور، فلا يخالف ما ذكره القاضي البيضاوي وغيره أن إسافا كان على الصفا ونائلة على المروة، وكان أهل الجاهلية إذا سعوا مسحوهما: أي ومن ثم لما جاء الاسلام وكسرت الأصنام، كره المسلمون الطواف أي السعي بينهما، وقالوا يا رسول الله هذا كان شعارنا في الجاهلية لأجل التمسح بالصنمين، فأنزل الله تعالى- إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ [البقرة: الآية ١٥٨]- الآية: ويقال إن

<<  <  ج: ص:  >  >>