للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقرة نحرت بالحزورة بوزن قسورة فانفلتت ودخلت المسجد في موضع زمزم فوقعت مكانها، فاحتمل لحمها، فأقبل غراب أعصم فوقع في الفرث فليتأمل الجمع.

وقد يقال: لا منافاة، لأن قوله في الرواية الأولى: فندت بقرة من ذابحها: أي ممن شرع في ذبحها ولم يتمه حتى دخلت المسجد فنحرها: أي تمم ذبحها، فقد نحرت بالحزورة وبالمسجد أو يراد بنحرها في الحزورة ذبحها، وبنحرها في المسجد سلخها وتقطيع لحمها فقد رأينا الحيوان بعد ذبحه يذهب إلى موضع آخر ثم يقع به، وعند ذلك جاء عبد المطلب بالمعول وقام ليحفر، فقامت إليه قريش، فقالوا له: والله لا نتركك تحفر بين وثنينا اللذين ننحر عندهما فقال عبد المطلب لولده الحارث ذد عني: أي امنع عني حتى أحفر، فو الله لأمضين لما أمرت به، فلما رأوه غير نازع خلوا بينه وبين الحفر وكفوا عنه، فلم يحفر إلا يسيرا حتى بدا له الطي: أي البناء، فكبر وقال هذا طي إسمعيل عليه السلام: أي بناؤه، فعرفت قريش أنه أصاب حاجته، فقاموا إليه وقالوا والله يا عبد المطلب إنها بئر أبينا إسمعيل، وإن لنا فيها حقا فأشركنا معك، فقال: ما أنا بفاعل، إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم، فقالوا نخاصمك فيها، فقال: اجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه، قالوا: كاهنة بني سعد بن هذيم وكانت بأعالي الشام: أي ولعلها التي لما حضرتها الوفاة طلبت شقا وسطيحا وتفلت في فمهما، وذكرت أن سطيحا يخلفها في كهانتها ثم ماتت في يومها ذلك، وسطيح ستأتي ترجمته. وأما شق فقيل له ذلك، لأنه كان شق إنسان يدا واحدة، ورجلا واحدة، وعينا واحدة، فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني عبد مناف، وركب من كل قبيلة من قريش نفر، وكان إذ ذاك ما بين الحجاز والشام مفازات لا ماء بها، فلما كان عبد المطلب ببعض تلك المفاوز فني ماؤه وماء أصحابه، فظمؤوا ظمأ شديدا حتى أيقنوا بالهلكة، فاستقوا ممن معهم من قبائل قريش فأبوا عليهم وقالوا نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم، فقال عبد المطلب لأصحابه ما ترون؟ قالوا: ما رأينا إلا تبع لرأيك، فقال: إني أرى أن يحفر كل أحد منكم حفيرة يكون فيها إلى أن يموت فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته ثم واروه حتى يكون آخرهم رجلا واحدا فضيعة رجل واحد: أي يترك بلا مواراة أيسر من ضيعة ركب جميعا، فقالوا: نعم ما أمرت به فحفر كل حفيرة لنفسه ثم قعدوا ينتظرون الموت، ثم قال عبد المطلب لأصحابه: والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا إلى الموت لعجز، فلنضرب في الأرض فعسى الله أن يرزقنا، فانطلقوا، كل ذلك وقومهم ينظرون إليهم ما هم فاعلون فتقدم عبد المطلب إلى راحلته فركبها، فلما انبعثت انفجرت من تحت خفها عين ماء عذب، فكبر عبد المطلب وكبر أصحابه ثم نزل فشرب وشرب أصحابه وملأوا أسقيتهم، ثم دعا القبائل فقال: هلموا إلى الماء فقد

<<  <  ج: ص:  >  >>