للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرادوا الفخر برجل منهم وتعصبوا له، فلما بادر إليه الأباعد وقاتلوا على حبه من كان منهم حتى أن الشخص منهم يقتل أباه وأخاه، علم أن ذلك إنما هو عن بصيرة صادقة ويقين ثابت.

وذكر «أنه لما تقارب من أبي طالب الموت نظر العباس إليه يحرك شفتيه فأصغى إليه بأذنه، فقال: يا بن أخي، والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته بقولها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أسمع» . وفيه أنه لم يثبت أن العباس ذكر ذلك بعد الإسلام وأيضا نزول الآية حيث ثبت أن نزولها في حق أبي طالب يردّ ذلك.

ويرده أيضا ما في الصحيحين عن العباس رضي الله تعالى عنه أنه قال «قلت يا رسول الله إن أبا طالب كان يحيطك وينصرك فهل ينفعه ذلك؟ قال نعم، وجدته- أي كشف لي عن حاله وما يصير إليه يوم القيامة- فوجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح» أي وفي لفظ آخر «قال نعم، هو- أي يوم القيامة- في ضحضاح من النار، لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار» ولو كانت الشهادة المذكورة عند العباس ما سأل هذا السؤال ولأداها بعد الإسلام، إذ لو أداها لقبلت.

وقد يقال: إنما سأل هذا السؤال ولم يعد الشهادة بعد الإسلام، لأنه لما قال له صلى الله عليه وسلم أولا لم أسمع، فهم أنه حيث لم يسمعها صلى الله عليه وسلم لم يعتدّ بها سأل هذا السؤال وفهم أن إعادة الشهادة بعد إسلامه لا تفيد شيئا.

ويرده أيضا ما جاء في رواية «أنه صلى الله عليه وسلم لما كرر علي أبي طالب أن يقول كلمة الشهادة وهو يأتي إلى أن قال هو على دين عبد المطلب قال صلى الله عليه وسلم: أما والله لأستغفرنّ لك ما لم أنه عن ذلك. أي عن الاستغفار لك فأنزل الله عز وجل ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١١٣) [التوبة: الآية ١١٣] أي وتقدم أن سبب نزول هذه الآية طلب استغفاره لأمه عند زيارة قبرها، أن يقال لا مانع من تكرر سبب نزولها، لجواز أنه صلى الله عليه وسلم جوّز الفرق بين أمه وعمه، لأن أمه لم تدع للإسلام بخلاف عمه، وفي منع استغفاره لأمه ما تقدم. ولا يشكل على ذلك قوله يوم أحد «اللهم اغفر لقومي» لأن ذلك أي غفران الذنوب مشروط بالتوبة: أي الإسلام، فكأنه صلى الله عليه وسلم دعا لهم بالتوبة التي هي الإسلام، ويؤيده رواية «اللهم اهد قومي» أي للإسلام. قال: وأيضا جاء في صحيح ابن حبان عن علي رضي الله تعالى عنه قال «لما مات أبو طالب أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إن عمك الشيخ الضال قد مات، قال: اذهب فواره، قال علي رضي الله تعالى عنه: فلما واريته جئت إليه، فقال لي اغتسل» .

أقول: لأنه غسله، وبه وبقوله صلى الله عليه وسلم «من غسل ميتا فليغتسل» استدل أئمتنا على أن من غسل ميتا مسلما أو كافرا استحب له أن يغتسل.

<<  <  ج: ص:  >  >>