عندي أن جبريل لم يركب مع النبي صلى الله عليه وسلم البراق ليلة الإسراء لأنه المخصوص بشرف الإسراء، هذا كلامه فليتأمل، والله أعلم.
قال صلى الله عليه وسلم «ثم انتهيت إلى بيت المقدس، فأوثقته بالحلقة التي بالباب» أي باب المسجد «التي كانت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام توثق» أي تربط «بها» أي تربطه بها على ما تقدم عن رواية البيهقي. وفي رواية «أن جبريل خرق بأصبعه الحجر» أي الذي هو الصخرة. وفي كلام بعضهم: فأدخل جبريل يده في الصخرة فخرقها وشدّ به البراق.
أقول: لا منافاة، لجواز أن يكون المراد وسع الخرق بأصبعه أو فتحه لعروض انسداده، وأن هذا الخرق هو المراد بالحلقة التي في الباب، لأن الصخرة بالباب وقيل لهذا الخرق حلقة لاستدارته.
وفي الإمتاع: وعادت صخرة بيت المقدس كهيئة العجين، فربط دابته فيها والناس يلتمسون ذلك الموضع إلى اليوم هذا كلامه.
وجمع بعضهم بأنه صلى الله عليه وسلم ربطه بالحلقة خارج باب المسجد الذي هو مكان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تأدبا، فأخذه جبريل فربطه في زاوية المسجد في الحجر الذي هو الصخرة التي خرقها بأصبعه، وجعله داخلا عن باب المسجد، فكأنه يقول له:
إنك لست ممن يكون مركوبه على الباب بل يكون داخلا.
وفي حديث أبي سفيان قبل إسلامه لقيصر، أنه قال لقيصر يحط من قدره صلى الله عليه وسلم «ألا أخبرك أيها الملك عنه خبرا تعلم منه أنه يكذب؟ قال: وما هو؟ قال: إنه يزعم أنه خرج من أرضنا أرض الحرم فجاء مسجدكم هذا ورجع إلينا في ليلة واحدة، فقال: بطريق: أنا أعرف تلك الليلة، فقال له قيصر: ما علمك بها؟ قال: إني كنت لا أبيت ليلة حتى أغلق أبواب المسجد، فلما كانت تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد: أي وهو الباب الفلاني غلبني فاستعنت عليه بعمالي ومن يحضرني فلم نقدر، فقالوا: إن البناء نزل عليه فاتركوه إلى غد حتى يأتي بعض النجارين فيصلحه فتركته مفتوحا، فلما أصبحت غدوت فإذا الحجر الذي من زاوية الباب مثقوب، أي زيادة على ما كان عليه على ما تقدم، وإذا فيه أثر مربط الدابة أي التي هي البراق: أي ولم أجد بالباب ما يمنعه من الإغلاق، فعلمت أنه إنما امتنع لأجل ما كنت أجده في العلم القديم أن نبيا يصعد من بيت المقدس إلى السماء، وعند ذلك قلت لأصحابي: ما حبس هذا الباب الليلة إلا هذا الأمر، وسيأتي ذلك عند الكلام على كتابه صلى الله عليه وسلم لقيصر. ولا يخفى أن المراد بالصخرة الحجر الذي بالباب لا الصخرة المعروفة كما هو المتبادر من بعض الروايات، وهي «فأتى جبريل الصخرة التي في بيت المقدس فوضع أصبعه فيها فخرقها فشدّ بها البراق» لأن الذي في بابه