مؤذن ثم أقام الصلاة» فليس من لازم ذلك أن يكون كل من التأذين والإقامة باللفظين المعروفين الآن، لأنهما كما علمت لم يشرعا إلا في المدينة: أي في السنة الأولى من الهجرة، وقيل في الثانية كما سيأتي.
وحديث «لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء أوحى الله تعالى إليه بالأذان فنزل به فعلمه بلالا» قال الحافظ ابن رجب: موضوع. وحديث «علم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان ليلة أسري به» في إسناده متهم. وفي الخصائص الكبرى أنه صلى الله عليه وسلم علم الإقامة ليلة الإسراء. فقد جاء «لما أراد الله عز وجل أن يعلم رسوله الأذان» أي الإقامة «عرج به إلى أن انتهى إلى الحجاب الذي يلي الرحمن» أي يلي عرشه «خرج ملك من الحجاب، فقال: الله أكبر الله أكبر، فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي أنا أكبر أنا أكبر، ثم قال الملك: أشهد أن لا إله إلا الله:
فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي لا إله إلا أنا فقال الملك أشهد أن محمدا رسول الله فقيل من وراء الحجاب صدق عبدي أنا أرسلت محمدا، فقال الملك:
حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، فأخذ الملك بيد محمد صلى الله عليه وسلم فقدمه يؤمّ بأهل السموات» قال في الشفاء: والحجاب إنما هو في حق المخلوق لا في حق الخالق فهم المحجوبون. قال: فإن صح القول بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى به، فيحتمل أنه في غير هذا الموطن بعد رفع الحجاب عن بصره حتى رآه.
وجاء «أنه صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عن ذلك الملك، فقال جبريل: إن هذا الملك ما رأيته قبل ساعتي هذه» وفي لفظ «والذي بعثك بالحق إني لأقرب الخلق مكانا، وإن هذا الملك ما رأيته منذ خلقت قبل ساعتي هذه» وفيه أن هذا يقتضي أن جبريل عليه الصلاة والسلام كان معه صلى الله عليه وسلم في هذا المكان، وسيأتي أنه تخلف عنه عند سدرة المنتهى، فليتأمل، والله أعلم.
«ولما أقيمت الصلاة ببيت المقدس قاموا صفوفا ينتظرون من يؤمهم، فأخذ جبريل بيده صلى الله عليه وسلم فقدمه، فصلى بهم ركعتين» .
أي وأما حديث «لما أسري بي أذن جبريل فظنت الملائكة أنه يصلي بهم، فقدمني فصليت بالملائكة» قال الذهبي منكر، بل موضوع. والغرض من تلك الصلاة الإعلام بعلوّ مقامه صلى الله عليه وسلم، وأنه المقدم لا سيما في الإمامة.
وفي رواية «ثم أقيمت الصلاة فتدافعوا» أي دفعوا «حتى قدموا محمد صلى الله عليه وسلم» أي ولا مخالفة لأنه يجوز أن يكون جبريل قدمه صلى الله عليه وسلم بعد دفعهم وتقديمهم له صلى الله عليه وسلم. وفي رواية «فأذن جبريل» أي أقام الصلاة «ونزلت الملائكة من السماء، وحشر الله له المرسلين» أي جميعهم «وقد نزلت الملائكة وحشر له الأنبياء» أي جميعهم، بدليل ما