للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهيبتها من أن أدخل تحتها، لأني كنت أخاف أن تسقط عليّ بالذنوب، ثم بعد مدة دخلتها فرأيت العجب العجاب، تمشي في جوانبها من كل جهة، فتراها منفصلة عن الأرض، لا يتصل بها من الأرض شيء ولا بعض شيء، وبعض الجهات أشد انفصالا من بعض، وهذا الذي ذكره ابن العربي، أن قدمه صلى الله عليه وسلم أثر في صخرة بيت المقدس حين ركب البراق، وأن الملائكة أمسكتها لما مالت، قال به الحافظ ناصر الدين الدمشقي حيث قال في معراجه المسجع: ثم توجها نحو صخرة بيت المقدس وعماها، فصعد من جهة الشرق أعلاها، فاضطربت تحت قدم نبينا صلى الله عليه وسلم ولانت، فأمسكتها الملائكة لما تحركت ومالت.

وقول ابن العربي حين ركب البراق يقتضي أنه عرج به على البراق، وسيأتي الكلام فيه، وتقدم أن الجلال السيوطي سئل عن غوض قدمه صلى الله عليه وسلم في الحجر هل له أصل في كتب الحديث؟ فأجاب بأنه لم يقف في ذلك على أصل ولا رأى من خرّجه في شيء من كتب الحديث، وتقدم ما فيه.

وفي العرائس، قال أبيّ بن كعب: ما من ماء عذب إلا وينبع من تحت الصخرة ببيت المقدس ثم يتفرق في الأرض، والله سبحانه وتعالى أعلم.

قال صلى الله عليه وسلم «فنشر لي» بضم النون وكسر الشين المعجمة: أي أحيا لي بعد الموت «رهط من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام» لأن نشر الميت إحياؤه. والرهط: ما دون العشرة من الرجال «فيهم إبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام» أي وحكمة تخصيص هؤلاء بالذكر لا تخفى «فصليت بهم، وكلمتهم» أي فالمراد نشروا عند دخوله صلى الله عليه وسلم المسجد وصلى بهم ركعتين؛ ووصفهم بالنشور واضح في غير عيسى عليه الصلاة والسلام، لأنه لم يمت. ووصف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالإحياء بعد الموت سيأتي في قصة بدر في الكلام على أصحاب القليب ما يعلم منه أن المراد بإحياء الأنبياء بعد الموت شدة تعلق أرواحهم بأجسادهم حتى أنهم في البرزخ بسبب ذلك أحياء كحياتهم في الدنيا، وقد ذكرنا هناك الكلام على صلاتهم في البرزخ وحجهم وغير ذلك. وفي رواية «ثم صلى صلى الله عليه وسلم هو وجبريل كل واحد ركعتين، فلم يلبثا إلا يسيرا حتى اجتمع ناس كثير» أي مع أولئك الرهط، فلا مخالفة بين الروايتين «فعرف النبيين من بين قائم وراكع وساجد، ثم أذن مؤذن وأقيمت الصلاة» .

أقول: ذكر ابن حبيب أن آية وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا [الزخرف:

الآية ٤٥] الآية، نزلت ببيت المقدس ليلة الإسراء. ويجوز أن يكون قوله وأقيمت الصلاة من عطف التفسير، فالمراد بالأذان الإقامة، وليس المراد بالإقامة الألفاظ المعروفة الآن لما سيذكر في الكلام على مشروعية الأذان والإقامة بالمدينة، وعلى أنه من عطف المغاير، ويدل له ما في بعض الروايات «فلما استوينا في المسجد أذن

<<  <  ج: ص:  >  >>