وجاء من طرق عديدة كلها ضعيفة، لكن يقوي بعضها بعضا «إن سليمان عليه الصلاة والسلام لما دخله ووجد حره وغمه قال: أوّاه من عذاب الله» لأن دخول الحمام يذكر النار، لأن الحمام أشبه شيء بجهنم، لأن النار أسفله، والسواد والظلمة أعلاه. وقد قيل: خير الحمام ما قدم بناؤه، واتسع فناؤه، وعذب ماؤه. قال بعضهم: ويصير قديما بعد سبع سنين. قال بعضهم: ولم يعرف الحمام في بلاد الحجاز قبل البعثة؟ وإنما عرفه الصحابة بعد موته صلى الله عليه وسلم بعد أن فتحوا بلاد العجم.
وفيه أن في البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتدرون بيتا يقال له الحمام. قالوا: يا رسول الله إنه يذهب بالدرن، وينفع المريض قال فاستتروا» وفي رواية أنه لما قال صلى الله عليه وسلم «اتقوا بيتا يقال له الحمام، فقالوا: يا رسول الله إنه يذهب بالدرن، وينفع المريض الوسخ، ويذكر النار، قال: إن كنتم لا بد فاعلين فمن دخله فليستتر» وهو صريح في أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم عرفوه في زمنه صلى الله عليه وسلم، إلا أن يقال جاز أن يكونوا عرفوه من غيرهم بهذا الوصف لهم، والمنفي في كلام هذا البعض معرفتهم له بالدخول فيه، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم بيتا يقال له الحمام، وقوله صلى الله عليه وسلم «ستفتح عليكم أرض العجم، وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات» .
وأما ما جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «أنه صلى الله عليه وسلم دخل حمام الجحفة» فلا يرد لأنه على تقدير صحته، فالمراد به أنه محلّ للاغتسال فيه لا بالهيئة المخصوصة وكذا لا يرد ما في معجم الطبراني الكبير عن أبي رافع أنه قال «مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بموضع، فقال: نعم موضع الحمام هذا» فبني فيه حمام لجواز أن يكون بني ذلك بعد موته صلى الله عليه وسلم، فهو من أعلام نبوته. قال بعضهم: ولعله قال ذلك لقبح الموضع أي فقول بعضهم ويكفي ذلك في فضيلة الحمام ليس في محله.
وفيه أن هذا البعض لم يعول في الفضيلة على هذا فقط، بل عليه وعلى ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الذي فيه لأنه يذهب بالدرن وينفع المريض..
ولا يرد أيضا ما في مسند أحمد عن أم الدرداء رضي الله تعالى عنها «أنها خرجت من الحمام فلقيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها من أين يا أم الدرداء؟ قالت: من الحمام» لأن في سنده ضعيفا ومتروكا، ولأنه يجوز أن يكون المراد به أنه محل الاغتسال لا أنه المبني على الهيئة المخصوصة كما تقدم. وبه يجاب أيضا عما في مسند الفردوس إن صح عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر رضي تعالى عنهما، وقد خرجا من الحمام «طاب حمامكما» .
قال ابن القيم: ولم يدخل المصطفى صلى الله عليه وسلم حماما قط، ولعله ما رآه بعينه هذا