طالب: أنت الصديق الأكبر وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل» .
وفي رواية «أن كفار قريش لما أخبرهم صلى الله عليه وسلم بالإسراء إلى بيت المقدس ووصفه لهم، قالوا له ما آية ذلك يا محمد» أي ما العلامة الدالة على هذا الذي أخبرت به «فإنا لم نسمع بمثل هذا قط» أي: هل رأيت في مسراك وطريقك ما نستدل بوجوده على صدقك أي لأن وصفك لبيت المقدس يحتمل أن تكون حفظته عمن ذهب إليه، قال صلى الله عليه وسلم «آية ذلك أني مررت بعير بني فلان بوادي كذا فأنفرهم» أي أنفر عيرهم حس الدابة، يعني البراق «فندّ لهم بعير» أي شرد «فدللتهم عليه وأنا متوجه إلى الشام، ثم أقبلت حتى إذا كنت بمحل كذا مررت بعير بني فلان فوجدت القوم نياما، ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشيء فكشفت غطاءه، وشربت ما فيه، ثم غطيت عليه كما كان» أي وفي كلام بعضهم «فعثرت الدابة يعني البراق: فقلب بحافره القدح الذي فيه الماء الذي كان يتوضأ به صاحبه في القافلة» وشرب الماء الذي للغير جائز لأنه كان عند العرب كاللبن. مما يباح لكل مجتاز من أبناء السبيل، على أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن له أن يأخذ ما يحتاج إليه من مالكه المحتاج إليه، ويجب على مالكه حينئذ بذله.
وأما الجواب عن ذلك بأنه مال حربي غير صحيح، لأن هذا كان قبل مشروعية الجهاد، ومع عدم مشروعيته لا يحل مال أهل الحرب كما لا يحل قتالهم، لأن الواجب حينئذ مسالمتهم ولا تتم إلا بترك التعرض لأموالهم كنفوسهم، قاله ابن حجر في شرح الهمزية: لكن في قطعة التفسير للجلال المحلي في تفسير قوله تعالى فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها [القصص: الآية ١٣] أن أمة أرضعته بأجرة وساغ لها أخذها، لأنها مال حربي: أي من مال فرعون، إلا أن يقال ذاك: أي أخذ مال الكافر كان جائزا في شريعتهم، قال صلى الله عليه وسلم «وآية ذلك» أي علامته المصدقة لما أخبر به صلى الله عليه وسلم «أن عيرهم الآن تصوب من الثنية يقدمها جمل أورق» وهو ما بياضه إلى سواد وهو أطيب الإبل لحما عند العرب، وأخسها عملا عندهم: أي ليس بمحمود عندهم، في عمله وسيره «عليه غرارتان إحداهما سوداء والأخرى برقاء» أي فيها بياض وسواد، كما تقدم، فابتدر القوم الثنية فأوّل ما لقيهم الجمل الأورق عليه الغرارتان فسألوهم عن الإناء، وعن نفار العير، وعن ندّ البعير، وعن الشخص الذي دلهم عليه فصدقوا قوله.
أقول: قد علم أن البعير التي نفرت وندّ منها البعير ودلهم عليه مرّ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب إلى الشام، والعير كان بها الإناء الذي شربه صلى الله عليه وسلم مر عليها وهو راجع إلى مكة، وهي التي صوبت من الثنية، وحينئذ لا يحسن سؤال أهلها عما وقع لأهل تلك العير تصديقهم له صلى الله عليه وسلم فيما أخبر، إلا أن يقال: يجوز أن تكون هذه العير التي مر عليها صلى الله عليه وسلم في العود اجتمعت في عودها بتلك العير الذاهبة إلى الشام، وأخبروهم بما ذكر، والله تعالى أعلم.