وفي رواية:«قالوا يا مطعم دعنا نسأله عما هو أغنى لنا عن بيت المقدس» أي فقولهم ذلك كان بعد أن أخبرهم ببيت المقدس «يا محمد أخبرنا عن عيرنا» : أي عيراتنا الذاهبة والآتية «هل لقيت منها شيئا، فقال نعم أتيت على عير بني فلان بالروحاء» أي وهو محل قريب من المدينة، أي بينه وبين المدينة ليلتان «قد أضلوا ناقة لهم فانطلقوا في طلبها، فانتهيت إلى رحالهم ليس بها منهم أحد، وإذا قدح ماء فشربت منه فاسألوهم عن ذلك، فقالوا هذه واللات والعزى آية» أي علامة.
أقول: وهذه العير هي التي مر صلى الله عليه وسلم عليها في العود وهي قادمة إلى مكة، وفي هذه الرواية: زيادة أنهم أضلوا ناقة، وتقدم في تلك الرواية، أنه صلى الله عليه وسلم وجدهم نياما، وفي هذه الرواية: إنه ليس بها منه أحد. وقد يقال: لا مخالفة بين الروايتين، لأنه يجوز أن يكون الراوي أسقط منها هذه الزيادة وهي إضلال الناقة، وأن قوله صلى الله عليه وسلم ليس بها منهم أحد، أي مستيقظ، بل بعضهم ذهب في طلب تلك الناقة، وبعضهم كان نائما، لكن في هذه الرواية أنه صلى الله عليه وسلم مر عليها وهي بالروحاء، وهو لا يناسب قوله في تلك إنها الآن تصوب من الثنية لأن كونها تأتي من الروحاء إلى مكة في ليلة واحدة من أبعد البعيد، إلا أن يقال إن الروحاء مشتركة بين المحل المعروف المتقدم ذكره ومحل آخر قريب من مكة، والله أعلم.
ثم قال صلى الله عليه وسلم:«فانتهيت إلى عير بني فلان فنفرت منها» أي من الدابة التي هي البراق «الإبل» أي التي هي العير «وبرك منها جمل أحمر، عليه جوالق مخطط ببياض لا أدري أكسر البعير أم لا؟» وهذه الرواية يحتمل أنها ثالثة. ويمكن أن تكون هي الأولى، أسقط من تلك قوله في هذه: وبرك منها جمل إلى آخره، كما أسقط من هذه قوله: في تلك: فندّ لهم بعير.
وفي رواية:«ثم انتهيت إلى عير بني فلان بمكان كذا وكذا فيها جمل عليه غرارتان، غرارة سوداء وغرارة بيضاء، فلما حاذت العير نفرت وصرع ذلك البعير وانكسر، أي وأضلوا بعيرا لهم قد جمعه فلان أي بدلالتي لهم عليه فسلمت عليهم، فقال بعضهم: هذا صوت محمد فاسألوهم عن ذلك» فعلم أن هذه الرواية والتي قبلها هي الأولى، غاية الأمر أنه زيد في هذه قوله: فسلمت عليهم فقالوا هذه واللات والعزى آية، قال صلى الله عليه وسلم «ثم انتهيت إلى عير بني فلان بالأبواء» أي وهو كما تقدم غير مرة أنه محل بين مكة والمدينة «يقدمها جمل أورق أي بياضه إلى سواد كما تقدم ها هي تطلع عليكم من الثنية، فانطلقوا لينظروا فوجدوا الأمر كما قال صلى الله عليه وسلم فقالوا صدق الوليد فيما قال أي في قوله إنه ساحر، وأنزل الله تعالى وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [الإسراء: الآية ٦٠] وهذا يدل على أن المراد رؤيا الإسراء وأنها رؤيا العين، وأنه يقال في مصدرها رؤيا بالألف كما يقال رؤية بالتاء خلافا لمن أنكر ذلك، إذ