لو كان رؤيا الإسراء مناما لما أنكر عليه في ذلك: أي وقيل نزلت وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولد الحكم بن أبي العاص أبي مروان وهم بنو أمية على منبره كأنهم القردة، وقد ورد «رأيت بني مروان يتعاورون منبري» وفي لفظ «ينزون على منبري نزو القردة» زاد في رواية «فما استجمع صلى الله عليه وسلم ضاحكا حتى مات» وأنزل الله تعالى في ذلك وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [الإسراء: الآية ٦٠] وفي رواية: فنزل إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١)[الكوثر:
الآية ١] وفي رواية: فنزل إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣)[القدر: ١- ٣] قال بعضهم: أي خير من ألف شهر يملكها بعدك بنو أمية، فإن مدة ملك بني أمية كانت اثنتين وثمانين سنة، وهي ألف أشهر وكان جميع من ولي الخلافة منهم أربعة عشر رجلا، أولهم معاوية وآخرهم مروان بن محمد.
وقد قيل لبعضهم: ما سبب زوال ملك بني أمية مع كثرة العدد والعدد والأموال والموالي؟ فقال: أبعدوا أصدقاءهم ثقة بهم، وقربوا أعداءهم جهلا منهم، فصار الصديق بأبعاد عدوا، ولم يصر العدوّ صديقا بالتقريب له، وحديث «رأيت بني مروان» إلى آخره. قال الترمذي: هو حديث غريب، وقال غيره منكر، قال صلى الله عليه وسلم ورأيت بني العباس يتعاورون منبري فسرني ذلك: وقيل إن هذه الآية أي آية. وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [الإسراء: الآية ٦٠] إنما نزلت في رؤيا الحديبية، حيث رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه وأصحابه يدخلون المسجد محلقين رؤوسهم ومقصرين، ولم يوجد ذلك بل صدهم المشركون، وقال بعض الصحابة له صلى الله عليه وسلم: ألم تقل إنك تدخل مكة آمنا؟ قال: بلى، أفقلت لكم من عامي هذا؟ قالوا: لا، قال فهو كما قال جبريل عليه الصلاة والسلام كما سيأتي ذلك في قصة الحديبية.
وقيل: إنما نزلت هذه الآية في رؤيا وقعة بدر، حيث أراه جبريل مصارع القوم ببدر، فأرى النبي صلى الله عليه وسلم الناس مصارعهم، فتسامعت بذلك قريش فسخروا منه، أي ولا مانع من تعدد نزول هذه الآية لهذه الأمور، فقد يتعدد نزول الآية لتعدد أسبابها.
قال ابن حجر الهيتمي: إن اتحاد النزول لا ينافي تعدد أسبابه: أي وذلك إذا تقدمت الأسباب، ويروى أنه عين لهم اليوم الذي تقدم فيه العير: أي قالوا له: متى تجيء؟ قال لهم: يأتوكم يوم كذا وكذا، يقدمهم جمل أورق عليه مسح آدم وغرارتان، فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينتظرون ذلك وقد ولي النهار ولم تجىء حتى كادت الشمس أن تغرب أي دنت للغروب، فدعا الله تعالى فحبس الشمس عن الغروب حتى قدم العير: أي كما وصف صلى الله عليه وسلم.
أقول: يجوز أن يكون هذا بالنسبة لبعض العيرات التي مرّ عليها فلا يخالف ما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم قال في بعض العيرات إنها الآن تصوب من الثنية، وإلى حبس الشمس