رجلا من كل سبط واحدا ليأتوه بخبر القوم، فدخلوا المدينة فرأوا أمرا هائلا من عظم أجسادهم. فقد ذكر بعضهم أنه رأى في فجاج: أي نقرة عين رجل منهم ضبعة رابضة، أي جالسة هي وأولادها حولها، والفجاج في الأصل الطريق الواسع، واستظل سبعون رجلا من قوم موسى في قحف رجل منهم، أي في عظم أمّ رأسه، وفي العرائس: وكان لا يحمل عنقود عنبهم إلا خمسة أنفس منهم، ويدخل في قشرة الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس، أو أربعة، وإن رجلا من العماليق أخذ الاثني عشر ووضعهم في كمه مع فاكهة كانت فيه، وجاء بهم إلى ملكهم فسألهم فقالوا نحن عيون موسى فقال ارجعوا وأخبروه. وفي العرائس أنه عوج بن عنق إحدى بنات آدم عليه السلام من صلبه، ويقال إنها أول بغيّ في الأرض.
وفي العرائس: أنه لما لقيهم كان على رأسه حزمة حطب، وأخذ الاثني عشر في حجره وانطلق بهم لامرأته، وقال انظري إلى هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يريدون قتالنا، وطرحهم بين يديها، وقال لها: ألا أطحنهم برجلي، فقالت امرأته: لا ولكن خلّ عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا ففعل ذلك، فلما رجعوا أخبروا موسى عليه الصلاة والسلام، فقال: اكتموا خوفا من بني إسرائيل أن يفشلوا ويرتدوا عن موسى فلم يفعلوا، وأخبر كل واحد سبطه بشدة ما رآه من أمرهم الهائل، ففشلوا وجبنوا عن القتال إلا رجلان لم يخبرا سبطيهما وهما يوشع بن نون من سبط يوسف، وكالب بن يوقنا من سبط بنيامين، وقالوا لموسى فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (٢٤)[المائدة: الآية ٢٤] فدعا عليهم وقال رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي [المائدة: الآية ٢٥] أي: فإنه لم يبق معه موافق يثق به غير أخيه هارون وكالب ويوشع، وهما المذكوران بقوله تعالى قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ [المائدة: الآية ٢٣] لأن الله منجز وعده وإنا قد خبرناهم فوجدنا أجسامهم عظيمة وقلوبهم ضعيفة فلا تخشوهم وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة: الآية ٢٣] وحينئذ يكون مراد موسى بقوله وأخي من واخاه ووافقه لا خصوص هارون، ثم دعا بقوله فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ [المائدة: الآية ٢٥] أي باعد بيننا وبينهم فضرب عليه التيه فتاهوا، أي تحيروا في ستة فراسخ من الأرض، يمشون النهار كله ثم يمسون حيث أصبحوا ويصبحون حيث أمسوا، وأنزل الله تعالى عليهم المنّ والسلوى، لأنهم شغلوا عن المعاش، وأبقيت عليهم ثيابهم لا تخلق ولا تتسخ، وتطول مع الصغير إذا طال، وظلل عليهم الغمام من الشمس، ولما رأى موسى عليه الصلاة والسلام ما بهم من التعب ندم على دعائه عليهم.
وفي حياة الحيوان: لما عبد بنو إسرائيل العجل أربعين يوما عوقبوا بالتيه أربعين سنة لكل يوم سنة، فأوحى الله تعالى له فَلا تَأْسَ أي لا تحزن عَلَى الْقَوْمِ