وطوى الأرض سائرا والسموا ... ت العلا فوقها له إسراء
فصف الليلة التي كان للمختار ... فيها على البراق استواء
وترقى به إلى قاب قوسين ... وتلك السيادة القعساء
رتب تسقط الأماني حسرى ... دونها ما وراءهن وراء
وتلقى من ربه كلمات ... كل علم في شمسهن هباء
زاخرات البحار يغرق في قط ... رتها العالمون والحكماء
أي وطوى الأرض حالة كونه صلى الله عليه وسلم سائرا عليها إلى المدينة عند الهجرة كما طويت له صلى الله عليه وسلم قبل ذلك السموات العلا لما كان له صلى الله عليه وسلم فوقها إسراء: أي ليلة الإسراء إلى أن جاوزها جميعها في أسرع وقت، فصف تلك الليلة التي كان للمختار فيها على البراق استواء واستقرار، وصعد به ذلك البراق إلى مقدار قاب قوسين، وتلك الرتبة التي وصل إليها صلى الله عليه وسلم هي السعادة الثابتة التي لا يعتريها نقص ولا زوال، وهذه رتب تسقط دونها الأماني حسرى ذات إعياء وتعب ما قدامهن قدام، أي ليس بعدها من رتبة ينالها أحد غيره صلى الله عليه وسلم، وتلقى من ربه كلمات ما عداها بالنسبة إليها كالهباء، وهو ما يرى في ضوء الشمس، وبث سبحانه وتعالى إليه علوما لا يدرك العلماء والحكماء شذرة منها؛ وكونه صلى الله عليه وسلم صعد السموات على البراق يوافقه ما في حياة الحيوان.
إن قيل: لم عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء على البراق؛ ولم ينزل عند منصرفه عليه. فالجواب أنه عرج به إلى دار الكرامة ولم ينزل به عليه إظهارا لقدرة الله تعالى، هذا كلامه فليتأمل.
وتقدم عن الحافظ ابن كثير إنكار صعوده صلى الله عليه وسلم على البراق، وقد جاء «كان موسى أشدهم عليّ حين مررت عليه، وخيرهم إليّ حين رجعت، ونعم الصاحب كان لكم أي فإنه صلى الله عليه وسلم كما تقدم لما جاوزه عند الصعود بكى، فنودي ما يبكيك؟
قال: رب هذا غلام» أي لأنه صلى الله عليه وسلم كان حديث السن بالنسبة لموسى صلى الله عليه وسلم، هذا هو المناسب للمقام «بعثته بعدي، يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخل من أمتي» وفي رواية «تزعم بنو إسرائيل» أي وهو يعقوب بن إسحاق عليهما الصلاة والسلام، ومعنى إسرائيل عبد الله، وقيل صفوة الله. وفي لفظ «تزعم الناس أنه أكرم على الله مني، ولو كان هذا وحده هان، ولكن معه أمته وهم أفضل الأمم عند الله تعالى» أي انضم إلى شرفه شرف أمته على سائر الأمم.
أقول: والغرض من هذا وما تقدم عنه عند مروره صلى الله عليه وسلم على قبره عليه الصلاة والسلام عند الكثيب الأحمر إظهار فضيلة نبينا صلى الله عليه وسلم وفضيلة أمته، بأنه أفضل الأنبياء