قال: وقيل رآه بفؤاده مرتين لا بعيني رأسه؛ فعن بعض الصحابة «قلنا: يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال: لم أره بعيني، رأيته بفؤادي مرتين، ثم تلا ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨)[النّجم: الآية ٨] الآية» وهذا السياق يدل على أن فاعل دَنا فَتَدَلَّى لحق سبحانه وتعالى، والمراد بالفؤاد القلب: أي خلقت الرؤية في القلب، أو خلق الله لفؤاده بصرا رأى به انتهى.
أقول: وكون الفؤاد له بصر واضح، لقوله تعالى ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧)[النّجم: الآية ١٧] . وأجيب عما احتجت به عائشة رضي الله عنها من قوله تعالى لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ [الأنعام: الآية ١٠٣] بأنه لا يلزم من الرؤية الإدراك: أي الذي هو الإحاطة، فالنور إنما منع من الإحاطة به لا من أصل الرؤية. وقد قال بعضهم للإمام أحمد: بأي معنى تدفع قول عائشة رضي الله تعالى عنها: من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله تعالى الفرية؟ فقال: يدفع بقول النبي صلى الله عليه وسلم «رأيت ربي» وقول النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من قولها.
هذا، وقد قال أبو العباس بن تيمية: الإمام أحمد إنما يعني رؤية المنام، فإنه لما سئل عن ذلك، قال نعم رآه؟ فإن رؤيا الأنبياء حق، ولم يقل إنه رآه بعين رأسه يقظة، ومن حكى عنه ذلك فقد وهم، وهذه نصوصه موجودة ليس فيها ذلك.
أقول: وفيه أنه يبعد أن يكون الإمام أحمد يفهم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها تنكر رؤيا المنام حتى يردّ عليها، وقد ضعف حديث أبي ذر المتقدم، وهو «قلت يا رسول الله رأيت ربك؟ فقال: نوراني أراه؟» وهو من جملة الأحاديث التي في مسلم التي نظر فيها والله أعلم.
قال أبو العباس بن تيمية: وأهل السنة متفقون على أن الله عز وجل لا يراه أحد بعينه في الدنيا لا نبي ولا غير نبي، ولم يقع النزاع إلا في نبينا صلى الله عليه وسلم خاصة، مع أن أحاديث المعراج المعروفة ليس في شيء منها أنه رآه، وإنما روي ذلك بإسناد موضوع باتفاق أهل الحديث.
وفي صحيح مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت وقد سأله موسى الرؤية فمنعها» .
وقد نقل القرطبي عن جماعة من المحققين القول بالوقف في هذه المسألة، لأنه لا دليل قاطع وغاية ما استدل به الفريقان ظواهر متعارضة قابلة للتأويل، وهو من المعتقدات، فلا بد فيها من الدليل القطعي هذا كلامه.
ونازع فيه السبكي بأنه ليس من المعتقدات التي يشترط فيها الدليل القطعي،