للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونقل عن الدارمي الحافظ أنه نقل اجماع الصحابة على ذلك ونظر فيه. وذهب إلى الرؤية: أي المذكورة أكثر الصحابة وكثير من المحدثين والمتكلمين، بل حكى بعض الحفاظ على وقوع الرؤية له بعين رأسه الإجماع، وإلى ذلك يشير صاحب الأصل بقوله:

ورآه وما رآه سواه ... رؤية العين يقظة لا المرائي

واحتجت عائشة رضي الله تعالى عنها على منع الرؤية بقوله تعالى لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ [الأنعام: الآية ١٠٣] قال: وروي أن مسروقا قال لها: ألم يقل الله عز وجل وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) [النّجم: الآية ١٣] أي مرة أخرى، أي بناء على أن الضمير المستتر له صلى الله عليه وسلم والبارز له سبحانه وتعالى؛ فقالت: أنا أوّل هذه الأمة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ فقال: إنما رأيت جبريل منهبطا: أي فالضمير البارز إنما هو لجبريل.

وفي رواية قال لها: «ذاك جبريل، لم أره في صورته التي خلق عليها إلا مرتين: أي مرة في الأرض ومرة في السماء» في هذه الليلة كما تقدم، وعلى ظاهر الآية: أي من جعل الضمير المستتر له صلى الله عليه وسلم والبارز له سبحانه وتعالى، وقطع النظر عن هذه الرواية التي جاءت عن عائشة رضي الله تعالى عنها يلزم أن يكون صلى الله عليه وسلم رأى الحق سبحانه وتعالى ليلة المعراج مرتين: مرة في قاب قوسين، ومرة عند سدرة المنتهى، ولا مانع من ذلك، ولعل ذلك هو المعنيّ بقول الخصائص الصغرى: وخص صلى الله عليه وسلم برؤيته للباري عز وجل مرتين، وفيها:

وجمع له بين الكلام والرؤية، وكلمه عند سدرة المنتهى، وكلم موسى بالجبل.

قال بعضهم: يجوز أنه صلى الله عليه وسلم خاطب عائشة رضي الله تعالى عنها بما ذكر أي بقوله: إنما رأيت جبريل إلى آخره على قدر عقلها أي في ذلك الوقت انتهى، وأيد قولها بما روي عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه «قلت: يا رسول الله هل رأيت ربك؟

قال: رأيت نورا» أي حجبني ومنعني عن رؤيته عز وجل، ومن ثم جاء في رواية «نور أني أراه؟» أي كيف أراه مع وجود النور، لأن النور إذا غشي البصر حجبه عن رؤية ما وراءه، أي وليس المراد أنه سبحانه وتعالى هو النور المرئي له خلافا لمن فهم ذلك، وأيده بما روي «نوراني» أي لأن هذه الرواية كما قيل تصحيف، ومن ثم قال القاضي عياض: لم أرها في أصل من الأصول، ومحال أن تكون ذاته تعالى نورا لأن النور من جملة الأعراض: أي لأنه كيفية تدركها الباصرة أولا وبواسطة تلك الكيفية تدرك سائر المبصرات كالكيفية الفائضة من النيرين على الاجرام الكثيفة المحاذية لهما، والله تعالى يتعالى عن ذلك، أي فحجابه تعالى النور كما رواه مسلم:

أي ومن ثم قيل في قوله تعالى اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [النور: الآية ٣٥] أي ذو نور، أو هو على المبالغة: أي وجاء «رأيته في صورة شاب أمرد عليه حلة خضراء دونه ستر من لؤلؤ» وجاء «رأيت ربي في أحسن صورة» قال الكمال بن الهمام: إن

<<  <  ج: ص:  >  >>