ضحك بعد ذلك، فقد جاء «أنه صلى الله عليه وسلم تبسم في الصلاة، فسأل عن ذلك، فقال: رأيت ميكائيل راجعا من طلب القوم، أي يوم بدر، وعلى جناحه الغبار فضحك إليّ فتبسمت إليه» .
ولعل هذا كان بعد ما أخرجه أحمد في مسنده عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنه قال لجبريل: إني لم أر ميكائيل ضاحكا قط، قال:
ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار» ومما يدل على أن جبريل عليه الصلاة والسلام خلق قبل النار أيضا ما في مسند أحمد عن أنس بن مالك، قال: قال صلى الله عليه وسلم لجبريل «لم تأتني إلا رأيتك صارّا بين عينيك، قال: إني لم أضحك منذ خلقت النار» وهذا مع ما تقدم من رؤية الجنة والنار يردّ على الجهمية وبعض المعتزلة كعبد الجبار وأبي هاشم، حيث زعموا أن الله تعالى لم يخلق الجنة والنار، وأنهما ليستا موجودتين الآن، وإنما يخلقهما سبحانه وتعالى يوم الجزاء، مستدلين بأنه لا يحسن من الحكيم أن يخلق الجنة دار النعمة والنار دار النقمة قبل خلق أهلهما، وبأنهما لو كانا مخلوقتين في السماء والأرض لفنيا بفنائهما.
وأجيب عن الأول بأنه يحسن من الحكيم خلقهما قبل يوم الجزاء، لأن الإنسان إذا علم ثوابا مخلوقا اجتهد في العبادة لتحصيل ذلك الثواب، وإذا علم عقابا مخلوقا اجتهد في اجتناب المعاصي لئلا يصيبه ذلك العقاب، فليتأمل.
وأجيب عن الثاني بأن الله استثناهما من قوله تعالى فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ [الزمر: الآية ٦٨] .
وفيه أن هذه صعقة الموت، ولا يتصف بالموت غير ذي الروح، ولأن الجنة كما قيل ليست في السماء السابعة بل فوقها، والنار ليست في الأرض السابعة بل تحتها، وحينئذ يكون القول بأن الجنة في السماء السابعة والنار في الأرض السابعة فيه تجوّز والله أعلم.
قال: واختلف في رؤيته صلى الله عليه وسلم لربه تبارك وتعالى تلك الليلة فأكثر العلماء على وقوع ذلك: أي أنه صلى الله عليه وسلم رآه عز وجل بعين رأسه. واستدل له بحديث «رأيت ربي في أحسن صورة» . وردّ بأن هذا الحديث مضطرب الإسناد والمتن.
وقد قال بعض العارفين: شاهد الحق سبحانه وتعالى القلوب فلم ير قلبا أشوق إليه من قلب محمد صلى الله عليه وسلم، فأكرمه بالمعراج تعجيلا للرؤية والمكالمة، وأنكرتها عائشة رضي الله تعالى عنها. وقالت: من زعم أن محمدا رأى ربه أي بعين رأسه فقد أعظم الفرية على الله عز وجل، أي أتى بأعظم الافتراء والكذب على الله عز وجل، ووافقها على ذلك من الصحابة ابن مسعود وأبو هريرة رضي الله تعالى عنهما وجمع من العلماء.