فلما كان نائما ظهرا أتاه جبريل وميكائيل، فقالا: انطلق إلى ما سألت الله تعالى، فانطلقا بي إلى ما بين المقام وزمزم، فأتي بالمعراج، فإذا هو أحسن شيء منظرا فعرجا بي إلى السموات سماء سماء» الحديث. ولا يخفى أن سياق هذا الحديث يدل على أن ذلك كان مناما، فلا يحسن أن يكون دليلا على قوله يقظة.
وقد جاء عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «فرج سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغهما في صدري، ثم أخذ بيدي فعرج إلى السماء» الحديث. وقد يدعى أن في رواية أبي ذر اختصارا وليس فيها أن ذلك كان مناما أو يقظة.
أي وأما ما ادعاه بعضهم أن المعراج تكرر يقظة فغريب: إذ كيف يتكرر يقظة سؤال أهل كل باب من أبواب السماء هل بعث إليه، وكيف يتكرر سؤاله صلى الله عليه وسلم عن كل نبي، وكيف يتكرر فرض الصلوات الخمس والمراجعة، وأما مناما فلا بعد في تكرر ذلك توطئة لوقوعه يقظة أي وهذا منشأ اختلاف الروايات، أدخل بعض الرواة ما وقع في المنام ما وقع في اليقظة كما تقدم نظيره في الإسراء، وتعدد روايات الإسراء لا يقتضي تعدده في اليقظة خلافا لمن زعمه. ومن ثم قال الحافظ ابن كثير: من جعل كل رواية خالفت الأخرى مرة على حدة، فأثبت إسراآت متعددة فقد أبعد وأغرب، أي فالحق أنه إسراء واحد بروحه وجسده صلى الله عليه وسلم يقظة، وذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم. وذكر بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم كان له إسراآت أربعة وعشرون مرة، وقيل ثلاثون مرة، منها مرة واحدة بروحه وجسده يقظة، والباقي بروحه، رؤيا رآها: أي ومن ذلك ما وقع له صلى الله عليه وسلم في المدينة بعد الهجرة، وهو محمل قول عائشة رضي الله تعالى عنها: ما فقدت جسده الشريف.
وفي صبيحة ليلة المعراج أي حين زالت الشمس من اليوم الذي يلي الليلة التي فرضت فيها الصلوات الخمس كان نزول جبريل عليه الصلاة والسلام وإمامته بالنبي صلى الله عليه وسلم، ليعلمه أوقات الصلوات أي وكيفيتها أي لأنه لا يلزم من علمه صلى الله عليه وسلم بكيفية صلاة الركعتين وصلاة قيام الليل علم كيفية الصلوات الخمس وإن قلنا بأن الرباعية منها فرضت ركعتين، فأمر صلى الله عليه وسلم فصيح بأصحابه الصلاة جامعة، فاجتمعوا فصلى به صلى الله عليه وسلم جبريل وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس فسميت تلك الصلاة الظهر، لأنها أول صلاة ظهرت، أو لأنها فعلت عند قيام الظهيرة: أي شدة الحر أو عند نهاية ارتفاع الشمس، وهذا الحديث ظاهر بأن صلاته صلى الله عليه وسلم بالناس كانت بعد صلاته مع جبريل محتمل لأن يكون صلى الله عليه وسلم صلى بصلاة جبريل والناس صلوا بصلاته صلى الله عليه وسلم.
ففي بعض الروايات «لما نودي بالصلاة جامعة فزعوا لذلك واجتمعوا فصلى