للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمكة لم يهاجر، فكلما عياش بن أبي ربيعة وكان أخاهما لأمهما وابن عمهما كان أصغر ولد أمه، وأخبراه أن أمه قد نذرت أن لا تغسل رأسها. وفي لفظ: ولا يمس رأسها مشط ولا تستظل من شمس حتى تراه، أي وفي لفظ: أن لا تأكل ولا تشرب ولا تدخل مسكنا حتى يرجع إليها، وقالا له وأنت أحب ولد أمك إليها، وأنت في دين منه برّ الوالدين، فارجع إلى مكة فاعبد ربك كما تعبده بالمدينة، فرقت نفسه وصدّقهما: أي وأخذ عليهما المواثيق أن لا يغشياه بسوء، وقال له عمر: إن يريدا إلا فتنتك عن دينك فاحذرهما، والله لو آذى أمك القمل امتشطت، ولو اشتد عليها حر مكة لاستظلت، فقال عياش: أبرّ أمي ولي مال هناك آخذه، فقال عمر: خذ نصف مالي ولا تذهب معهما، فأبى إلا ذلك، فقال له عمر: فحيث صممت فخذ ناقتي هذه فإنها نجيبة ذلول فالزم ظهرها، فإن رابك منهما ريب فانج عليها، فأبى ذلك وخرج راجعا معهما إلى مكة، فلما خرجا من المدينة كتفاه بتخفيف التاء: أي شدّا يديه إلى خلف بالكتاف في الطريق. أي وفي السيرة الهشامية أنه أخذ الناقة وخرج عليها معهما، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال له أبو جهل: يا أخي والله لقد استغلظت بعيري هذا، أفلا تعقبني على ناقتك هذه؟ قال بلى، قال: فأناخ وأناخ ليتحول عليها، فلما استووا بالأرض عدوا عليه وأوثقاء رباطا ودخلا به مكة نهارا موثقا. وقالا: يا أهل مكة، هكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفهائنا. وفي لفظ:

بسفيهنا، فحبس بمكة مع هشام بن العاص، فإنه كما تقدم منع وحبس عن الهجرة، وجعل كل في قيد.

وفي لفظ: أنهما لما ذكرا له أن أمه حلفت أن لا يظلها سقف بيت حتى تراه، وأعطياه موثقا أن لا يمنعاه وأن يخليا سبيله بعد أن تراه أمه، فانطلق معهما حتى إذا خرجا من المدينة عمدا إليه فشداه وثاقا وجلداه نحوا من مائة جلدة، وكان أعانهما عليه رجل من بني كنانة: أي يقال له الحارث بن يزيد القرشي وفي كلام ابن عبد البر أنه كان من يعذبه بمكة مع أبي جهل.

وفي الينبوع: جلده كل واحد منهما مائة جلدة، وأنه لما جيء به إلى مكة ألقي في الشمس، وحلفت أمه أنه لا يحل عنه حتى يرجع عن دينه ففتن. قيل وكان ذلك سبب نزول قوله تعالى وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ [العنكبوت: الآية ٨] الآية.

وفيه أنه تقدم أنها نزلت في سعد بن أبي وقاص؛ إلا أن يقال يجوز أن يكون مما تكرر نزوله، فتكون نزلت فيهما، وحلف عياش ليقتلنّ ذلك الرجل إن قدر عليه.

قيل ولم يزل عياش محبوسا حتى فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، فخرج عياش فلقي ذلك الرجل الكناني وكان قد أسلم وعياش لا يعلم بإسلامه، فقتله وأعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأنزل الله تعالى وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً [النّساء: الآية ٩٢]

<<  <  ج: ص:  >  >>