الخروج للغار أرسل إليه أبا بكر مرتين أو ثلاثا فوجده يصلي، فكره أن يقطع عليه صلاته» كما سيأتي، وحينئذ يكون قول صهيب المذكور بعد هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كما تقدم، وهو ما في الخصائص الكبرى عن صهيب «لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وخرج معه أبو بكر وقد كنت هممت بالخروج معه فصدني فتيان من قريش» أي بعد أن أردت الخروج بعده «وقالوا له جئتنا فقيرا حقيرا صعلوكا فكثر مالك عندنا وتريد أن تخرج بمالك ونفسك لا يكون ذلك أبدا، قال فقلت لهم: أنا أعطيكم أواقي من الذهب. وفي لفظ ثلث مالي. وفي لفظ: مالي وتخلون سبيلي، ففعلوا، فقلت احفروا تحت أسكفة الباب، فإن تحتها الأواقي، وخرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء قبل أن يتحوّل منها، فلما رآني قال يا أبا يحيى ربح البيع ثلاثا، فقلت: يا رسول الله إنه ما سبقني إليك أحد، وما أخبرك إلا جبريل عليه الصلاة والسلام» أي وأخرج أبو نعيم في الحلية عن سعيد بن المسيب قال «أقبل صهيب مهاجرا نحو النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخذ سيفه وكنانته وقوسه، فاتبعه نفر من قريش، فنزل عن راحلته وانتثل ما في كنانته. ثم قال: يا معشر قريش قد علمتم أني من أرماكم رجلا وأيم الله لا تصلون إليّ حتى أرمي بكل سهم في كنانتي ثم أضرب بسيفي ما بقيّ في يدي منه شيء ثم افعلوا ما شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي بمكة وخليتم سبيلي، فقالوا نعم، فقال لهم ما تقدم» وفي رواية «أنهم قالوا له: دلنا على مالك ونخلي عنك، وعاهدوه على ذلك ففعل» .
وذكر بعض المفسرين «أن المشركين أخذوه وعذبوه فقال لهم: إني شيخ كبير لا يضركم أمنكم كنت أم من غيركم، فهل لكم أن تأخذوا مالي وتذروني وديني، وتتركوا لي راحلة ونفقة ففعلوا، ونزل قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ [البقرة: الآية ٢٠٧] قال: فلما قدمت وجدت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر جالسين، فلما رآني أبو بكر قام إليّ فبشرني بالآية التي نزلت فيّ أي وفي رواية «فتلقاني أبو بكر وعمر ورجال، فقال لي أبو بكر: ربح بيعك أبا يحيى، فقلت: وبيعك، هلا تخبرني ما ذاك؟ فقال: أنزل الله فيك كذا، وقرأ عليّ الآية» .
وفي تفسير سهل بن عبد الله التستري أن صهيبا كان من المشتاقين لم يكن له قرار؛ كان لا ينام لا بالليل ولا بالنهار.
وقد حكي أن امرأة اشترته فرأته كذلك، فقالت: لا أرضى لك حتى تنام بالليل، لأنك تضعف فلا يتهيأ لك الاشتغال بأعمالي؛ فبكى وقال: إن صهيبا إذا ذكر النار طار نومه وإذا ذكر الجنة جاء شوقه، وإذا ذكر الله طال شوقه: أي وليتأمل هذا مع ما في تاريخ ابن كثير أن الروم أغارت على بلاد صهيب وكانت على دجلة، وقيل على الفرات، فأسرته وهو صغير، ثم اشتراه منهم بنو كلب فحملوه إلى مكة فابتاعه