عبد الله بن جدعان فأعتقه وأقام بمكة حينا، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم وكان إسلامه وإسلام عمار بن ياسر في يوم واحد. وقد يقال: يجوز أن تكون تلك المرأة التي اشترته كانت من بني كلب.
وعن صهيب رضي الله تعالى عنه «صحبت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه وأنه قال له عمر رضي الله تعالى عنه: يا صهيب اكتنيت وليس لك ولد؛ فقال: كناني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي يحيى» فهو من جملة من كناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ولد له؛ وكان في لسانه عجمة شديدة، وكان فيه دعابة «رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل قثاء ورطبا وهو أرمد إحدى عينيه، فقال له: تأكل رطبا وأنت أرمد؟ فقال: إنما آكل من ناحية عيني الصحيحة فضحك صلى الله عليه وسلم» .
وفي المعجم الكبير للطبراني عن صهيب، قال «قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يديه تمر وخبز، فقال: ادن فكل، فأخذت آكل من التمر، فقال لي: أتأكل التمر وعينك رمدة، فقلت: يا رسول الله أمصه من الناحية الأخرى، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم» أي ولا مانع من التعدد «ولما أذن صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الهجرة وهاجروا مكث صلى الله عليه وسلم بعد أصحابه ينتظر أن يؤذن له في الهجرة ولم يتخلف معه إلا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأبو بكر أي وصهيب كما علمت، ومن كان محبوسا أو مريضا أو عاجزا عن الخروج، وكان أبو بكر رضي الله تعالى عنه كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة، فيقول له: لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحبا فيطمع أبو بكر أن يكون هو» وفي رواية «تجهز أبو بكر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلك؛ فإني أرجو أن يؤذن لي، فقال له أبو بكر هل ترجو ذلك بأبي أنت وأمي؟
قال نعم، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه وعلف راحلتين عنده الخبط» أي وفي لفظ «ورق السمر» بفتح المهملة وضم الميم، قال الزهري، وهو الخبط. قال ابن فارس: والخبط ما يخبط بالعصا فيسقط من ورق الشجر، وكان مدة علفها أربعة أشهر، وكان اشتراهما بثمانمائة درهم.
أقول: ظاهر هذا السياق أن علفه للراحلتين كان بعد قول المصطفى صلى الله عليه وسلم له ما ذكر. ومعلوم أن ذلك بعد مبايعة الأنصار صلى الله عليه وسلم، والمدة بين مبايعة الأنصار له صلى الله عليه وسلم والهجرة كانت ثلاثة أشهر أو قريبا منها، لأنها كانت في ذي الحجة، ومهاجرته صلى الله عليه وسلم كانت في ربيع الأول.
وفي السيرة الشامية ما يصرح بأن علفة للراحلتين كان بعد قول المصطفى صلى الله عليه وسلم له ما ذكر. ففيها «أنه صلى الله عليه وسلم لما قال لأبي بكر وقد استأذنه في الهجرة: لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا» طمع بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يعني نفسه فابتاع راحلتين فحبسهما في داره يعلفهما إعدادا لذلك، وسيأتي عن الحافظ ابن حجر أن بين ابتداء