قال بعضهم: وهذا من أعظم العناية به صلى الله عليه وسلم، أن أجرى الله سبحانه وتعالى نكاح آبائه من آدم إلى أن أخرجه من بين أبويه على نمط واحد من وفق شريعته صلى الله عليه وسلم ولم يكن كما كان يقع في الجاهلية إذا أراد الرجل أن يتزوج قال خطب وتقول أهل الزوجة نكح كما تقدم، ويكون ذلك قائما مقام الإيجاب والقبول.
والمراد بنكاح الإسلام ما يفيد الحل حتى يشمل التسرّي، بناء على أن أم إسمعيل كانت مملوكة لإبراهيم حين حملت بإسمعيل، ولم يعتقها ولم يعقد عليها قبل ذلك.
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها كما في البخاري:«إن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: نكاح كنكاح الناس اليوم» أي بإيجاب وقبول شرعيين دون أن يقول الزوج خطب ويقول أهل الزوجة نكح، وحينئذ يزيد على ذلك النكاح الذي كان يقال فيه ذلك «ونكاح البغايا. ونكاح الاستبضاع. ونكاح الجمع» أي ومن أنكحة الجاهلية نكاح زوجة الأب الأكبر أولاده والجمع بين الأختين، على ما تقدم، وحينئذ يكون المراد ليس في نسبه صلى الله عليه وسلم نكاح زوجة الأب، خلافا لم تقدم عن السهيلي، ولا الجمع بين الأختين، ولا نكاح البغايا، وهو أن يطأ البغيّ جماعة متفرقين واحدا بعد واحد، فإذا حملت وولدت ألحق الولد بمن غلب عليه شبهه منهم، ولا الاستبضاع، وذلك أن المرأة كانت في الجاهلية إذا طهرت من حيضها يقول لها زوجها أرسلي إلى فلان استبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وليس فيه نكاح الجمع، وهو أن تجتمع جماعة دون العشرة ويدخلون على امرأة من البغايا ذوات الرايات كلهم يطؤها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، فتقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان، تسمي من أحبت منهم، فيلحق به ولدها، لا يستطيع أن يمتنع منه الرجل إن لم يغلب شبهه عليه.
فنكاح البغايا قسمان، وحينئذ يحتمل أن تكون أم عمرو بن العاص رضي الله عنه من القسم الثاني من نكاح البغايا، فإنه يقال إنه وطئها أربعة: وهم العاص، وأبو لهب، وأمية بن خلف، وأبو سفيان بن حرب، وادعى كلهم عمرا فألحقته بالعاص.
وقيل لها لما اخترت العاص؟ قالت: لأنه كان ينفق على بناتي. ويحتمل أن يكون من القسم الأول ويدل عليه ما قيل إنه ألحق بالعاص لغلبة شبهه عليه، وكان عمرو يعير بذلك، عيره بذلك عليّ وعثمان والحسن وعمار بن ياسر وغيرهم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وسيأتي ذلك في قصة قتل عثمان عند الكلام على بناء مسجد المدينة.