للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ريحكم فأحببت أن أجلس إليكم وأسمع كلامكم، فإن كرهتم ذلك خرجت عنكم؛ فقال بعضهم لبعض: هذا نجدي ولا عين عليكم منه، وفي لفظ: هذا من أهل نجد لا من مكة فلا يضركم حضوره معكم. وعند المشهورة قال بعضهم لبعض: إن هذا الرجل يعني النبي صلى الله عليه وسلم: قد كان من أمره ما قد رأيتم، وإنا والله لا نأمنه الوثوب علينا بمن قد اتبعه من غيرنا فأجمعوا فيه رأيا فتشاوروا، فقال قائل: أي وهو أبو البختري بن هشام احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابا ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء حتى يصيبه ما أصابهم من هذا الموت، فقال الشيخ النجدي، لا والله ما هذا لكم برأي، والله لو حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه، فلا تشكوا أن يثبوا عليكم فينتزعوه من أيدكم ثم يكاثروكم حتى يغلبوكم على أمركم، ما هذا برأي، فانظروا رأيا غيره، فتشاوروا، فقال قائل منهم، أي وهو الأسود بن ربيعة بن عمير: نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلادنا، فإذا خرج عنا فوالله ما نبالي أين يذهب، فقال الشيخ النجدي: والله ما هذا برأي، ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي الله به؟ والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل» بفتح أوله وضم الحاء المهملة أي ينزل، ويجوز أن يكون بكسرها: أي يسقط على حيّ من العرب فيغلب بذلك عليهم من قوله وحديثه حتى يبايعوه ثم يسير به إليكم حتى يطأكم بهم، فيأخذوا أمركم من أيديكم ثم يفعل بكم ما أراد، دبروا فيه رأيا غير هذا؛ فقال أبو جهل بن هشام: والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد، قالوا: وما هو يا أبا الحكم؟ قال: الرأي أن تأخذوا من كل قبيلة شابا جلدا: أي قويا حسيبا في قومه نسيبا وسطا، ثم يعطي كل فتى منهم سيفا صارما ثم يغدون إليه فيضربونه ضربة رجل واحد فيقتلونه فنستريح منه، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا، فلم تقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا فيرضوا منا بالعقل: أي الدية فعقلنا لهم. فقال النجدي: القول ما قال هذا الرجل، هذا هو الرأي ولا أرى غيره، فتفرق القوم على ذلك، فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تبت هذه الليلة في فراشك الذي كنت تبيت عليه: أي وأخبره بمكرهم، وأنزل الله عز وجل عليه وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ [الأنفال: الآية ٣٠] الآية، فلما كانت عتمة من الليل: أي الثلث الأول من الليل اجتمعوا على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرصدونه حتى ينام فيثبوا عليه: أي وكانوا مائة.

أقول في الدرّ المنثور: أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبيد بن عمير «لما ائتمروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه، قال له أبو طالب: هل تدري ما ائتمروا بك؟ قال: يريدون أن يحبسوني أو يقتلوني أو يخرجوني، قال: من حدّثك بهذا؟ قال: ربي، قال: نعم الرب، وربك فاستوص به خيرا، قال: أنا

<<  <  ج: ص:  >  >>