للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في تلك الليلة إلى بيت أبي بكر رضي الله عنه، فكان فيه إلى الليل: أي إلى الليلة المقبلة، ثم خرج هو وأبو بكر رضي الله تعالى عنه، ثم مضيا إلى جبل ثور كذا في سيرة الدمياطي ثم أي بعد اخبارهم بخروجه صلى الله عليه وسلم ووضعه التراب على رؤوسهم جعلوا يطلعون فيرون عليا نائما على الفراش مسجى ببرد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فيقولون: والله إن هذا محمد نائما عليه برده، فلم يزالوا كذلك، أي يريدون أن يوقعوا به الفعل، والله مانع لهم من ذلك «حتى أصبحوا واتضح النهار، فقام عليّ رضي الله تعالى عنه عن الفراش، فقالوا: والله لقد صدقنا الذي كان حدّثنا، أي ولما قام عليّ رضي الله تعالى عنه سألوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لا علم لي به وفي رواية: «فلما أصبحوا ساروا إليه يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأوا عليا رضي الله تعالى عنه ردّ الله تعالى مكرهم، فقالوا: أين صاحبك؟ قال لا أدري، فأنزل الله تعالى قوله أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) [الطّور: الآية ٣٠] وأنزل الله عز وجل وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠) [الأنفال: الآية ٣٠] كذا في الأصل تبعا لابن إسحاق، ولا يخفى أن الآية الثانية موفية بما ذكروه من المشاورة.

قال: والمانع من اقتحام الجدار عليه في الدار مع قصر الجدار وقد جاؤوا لقتله، أنهم هموا بذلك فصاحت امرأة من الدار، فقال بعضهم لبعض: إنها لسبة في العرب أن يتحدث عنا أنا تسورنا الحيطان على بنات العم وهتكنا ستر حرمنا انتهى.

أقول: لا يخفى أن هذا لا يناسب ما قدمناه عن بعضهم أنهم إنما أرادوا قتله صلى الله عليه وسلم عند طلوع الفجر ليظهر لبني هاشم قاتلوه فلا يثبوا عليه لئلا يتسور الجدار، إلا أن يقال إرادة ذلك منهم كانت عند طلوع الفجر، ووجود الأسباب المانعة لهم من الوثوب عليه لا ينافي أن المانع لهم عن الوثوب عليه الذي جاؤوا بصدده وهم مائة رجل من صناديد قريش، إنما هي حماية الله تعالى الموجبة لخذلانهم وإظهار عجزهم، وفي ذلك تصديق لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال لعلي «لا يخلص إليك شيء تكرهه منهم» على ما تقدم، والمراد بقول بعضهم: كان المشركون يرمون عليا يظنون أنه النبي صلى الله عليه وسلم يرمونه بأبصارهم لا بنحو حجارة أو نبل كما لا يخفى.

فإن قيل: هلا نام صلى الله عليه وسلم على فراشه؟ قلنا لو فعل ذلك لفات، إذ لا لهم بوضع التراب على رؤوسهم وإظهار حماية الله تعالى له بخروجه عليهم ولم يبصره أحد منهم. وفي رواية «أنهم تسوروا عليه صلى الله عليه وسلم ودخلوا شاهرين سيوفهم، فثار علي في وجوههم فعرفوه، فقالوا: هو أنت أين صاحبك؟ فقال: لا أدري» وهذا مخالف لما تقدم، فلينظر الجمع بناء على صحة هذا.

وفي لفظ: «أمروه بالخروج فضربوه وأدخلوه المسجد وحبس به ساعة ثم خلوا عنه» والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>