وهي مدنية باتفاق. وقد قيل إنها نزلت في صهيب رضي الله تعالى عنه لما هاجر أي كما تقدم؛ لكنه في الإمتاع لم يذكر أنه صلى الله عليه وسلم قال لعليّ ما ذكر، وعليه فيكون فداؤه للنبي صلى الله عليه وسلم بنفسه واضحا، ولا مانع من تكرر نزول الآية في حق عليّ وفي حق صهيب. وحينئذ يكون شري في حق عليّ رضي الله تعالى بمعنى باع: أي باع نفسه بحياة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفي حق صهيب بمعنى اشترى: أي اشترى نفسه بماله، ونزول هذه الآية بمكة لا يخرج سورة البقرة عن كونها مدنية، لأن الحكم يكون للغالب.
وفي السبعيات «أنه صلى الله عليه وسلم نظر إلى أصحابه وقال: أيكم يبيت على فراشي وأنا أضمن له الجنة، فقال عليّ: أنا أبيت واجعل نفسي فداءك» هذا كلامه، ولعله لا يصح.
ثم رأيت في الإمتاع ما يدل لعدم الصحة، وهو قال ابن إسحاق: ولم علم فيما بلغني بخروجه صلى الله عليه وسلم حين خرج إلا عليّ وأبو بكر الصدّيق، فليتأمل والله تعالى أعلم.
وكان في القوم الحكم بن أبي العاص وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وأمية بن خلف وزمعة بن الأسود وأبو لهب وأبو جهل، فقال: وهم على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم ثم بعثتم بعد موتكم فجعلت لكم جنان كجنان الأردن، أي بضم الهمزة وتشديد النون، وهو محل بأرض الشام بقريب بيت المقدس، وإن لم تفعلوا كان فيكم ذبح ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم نار تحترقون فيها، وسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج عليهم وهو يقول: نعم أنا أقول ذلك، وأخذ حفنة من تراب وتلا قوله تعالى يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢)[يس: الآيتان ١ و ٢] إلى قوله فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [يس: الآية ٩] فأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه فلم يروه.
وفي مسند الحارث بن أبي أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه ذكر في فضل يس (١)[يس: الآية ١] أنها إن قرأها خائف أمن، أو جائع شبع، أو عار كسي، أو عاطش سقي، أو سقيم شفي» «وعند خروجه صلى الله عليه وسلم جعل ينثر التراب على رؤوسهم، فلم يبق رجل إلا وضع على رأسه ترابا ثم انصرف إلى حيث أراد، فأتاهم آت، فقال: ما تنتظرون هاهنا؟
قالوا محمدا، فقال: قد خيبكم الله، والله خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلا إلا وضع على رأسه ترابا وانطلق لحاجته، أفما ترون ما بكم؟ قال: فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب» . قال في النور وهذا يعارضه حديث مارية خادم النبي صلى الله عليه وسلم تكنى أمّ الرباب «أنها طأطأت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد حائطا ليلة فرّ من المشركين» وينبغي أن يوفق بينهما إن صحا وإلا فالعبرة بالصحيح منهما هذا كلامه.
أقول: التوفيق حاصل، وهو أنه يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يحب أن يخرج عليهم من الباب فتسوّر الحائط التي نزل منها عليهم والله أعلم، أي وكان ذهابه صلى الله عليه وسلم