للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخرجوني منك قهرا ما خرجت» وفي لفظ «أنه صلى الله عليه وسلم وقف في وسط المسجد والتفت إلى البيت فقال: إني لأعلم ما وضع الله بيتا أحب إلى الله منك، وما في الأرض بلد أحب إليه منك، وما خرجت منك رغبة، ولكن الذين كفروا أخرجوني» .

أي وهذا السياق يدل على أن وقوفه صلى الله عليه وسلم على الحزورة أو في وسط المسجد يقتضي أنه جاء بعد خروجه من الغار إلى ما ذكر، ثم ذهب إلى المدينة. وفي رواية «وقف صلى الله عليه وسلم على الحجون وقال: والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولو لم أخرج منك ما خرجت» وفي لفظ «ولو تركت فيك لما خرجت منك» ولا مانع من تكرر ذلك. ثم رأيت في كلام بعضهم أن وقوفه صلى الله عليه وسلم على الحجون كان في عام الفتح. وفي لفظ آخر «قال لمكة: ما أطيبك من بلدة وأحبك إليّ؛ ولولا أن قومي أخرجوني ما سكنت غيرك» .

أي وفي «جمال القراء» للسخاوي «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توجه مهاجرا إلى المدينة وقف ونظر إلى مكة وبكي؛ فأنزل الله عز وجل عليه وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً [محمّد: الآية ١٣] الآية» .

وأما ما روى الحاكم عن أبي هريرة مرفوعا «اللهم إنك أخرجتني من أحب البقاع إليّ فأسكني في أحب البقاع إليك» فقال الذهبي: إنه موضوع. وقال ابن عبد البر: لا يختلف أهل العلم أنه منكر موضوع.

أقول: والذي رأيته عن المستدرك للحاكم «اللهم: إنك تعلم أنهم أخرجوني من أحب البلاد إليّ فأسكني أحب البلاد إليك» والمعنى واحد، وإليه وإلى ما روي عن الزهري «اللهم إنك أخرجتني من أحب البلاد إليّ فأسكني أحب البلاد إليك» استند من قال بتفضيل المدينة على مكة، قال: لأن الله تعالى أجاب دعاءه فأسكنه المدينة. قيل وعليه جمهور العلماء، ومنهم الإمام مالك رضي الله تعالى عنه. وإلى الأحاديث الأول استند من قال بتفضيل مكة على المدينة وهم الجمهور، ومنهم إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه، واستندوا في ذلك إلى أنه صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع «أيّ بلد تعلمون أعظم حرمة؟ قالوا لا نعلم إلا بلدنا هذه» يعنون مكة، وهذا إجماع من الصحابة أقرهم عليه صلى الله عليه وسلم أنها: أي مكة أفضل من سائر البلاد، لأن ما كان أعظم حرمة فهو أفضل. وقد قال صلى الله عليه وسلم «المقام بمكة سعادة، والخروج منها شقاوة» وقال صلى الله عليه وسلم «من صبر على حر مكة ساعة من نهار تباعدت عنه جهنم مسيرة مائة عام» .

قال ابن عبد البر: وإني لأعجب ممن ترك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قوله «والله إني لأعلم أنك خير أرض وأحبها إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت» وهذا حديث صحيح، ويميل إلى تأويل لا يجامع ما تأويله عليه: أي ولأن الحسنة فيها بمائة ألف حسنة. فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>