قال «من حج ماشيا كتبت له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم، قيل:
وما حسنات الحرم؟ قال: الحسنة فيه بمائة ألف حسنة» .
والكلام في غير ما ضم أعضاءه الشريفة صلى الله عليه وسلم من أرض المدينة، وإلا فذاك أفضل بقاع الأرض بالإجماع، بل حتى من العرش والكرسي.
على أن صاحب «عوارف المعارف» ذكر أن الطوفان موّج تلك التربة المكرمة عن محل الكعبة حتى أرساها بالمدينة، فهي من جملة أرض مكة. وحينئذ لا يحسن الاستناد في تفضيل المدينة على مكة بقول أبي بكر رضي الله تعالى عنه إنهم لما اختلفوا في أي محل يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبضه الله إلا في أحب البقاع إليه ليدفن فيه كما سيأتي، والله أعلم.
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت «بينا نحن جلوس يوما في بيت أبي بكر الصديق في نحر الظهيرة» أي وسطها وهو وقت الزوال «قال قائل لأبي بكر أي وهذا القائل هي أسماء بنت أبي بكر. وفي كلام بعض الحفاظ: يحتمل أن يفسر بعامر بن فهيرة أي مولى أبي بكر «قالت أسماء: قلت: يا أبت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعا» أي متطيلسا «في ساعة لم يكن يأتينا فيها» أي فعن عائشة رضي الله تعالى عنها «لم يمر علينا يوم» أي قبل الهجرة «إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشيا» وفي لفظ «كان لا يخطىء أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت أبي بكر أحد طرفي النهار إما بكرة وإما عشيا» أي ويحتاج إلى الجمع بين هاتين الروايتين على تقدير صحة الثانية وإلا فالأولى في البخاري. وتفسير التقنع بالتطيلس ذكره الحافظ ابن حجر، حيث قال: قوله: متقنعا: أي متطيلسا، وهو أصل في لبس الطيلسان، هذا كلامه.
واعترضه ابن القيم حيث قال: لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه لبس الطيلسان ولا أحد من أصحابه. وحينئذ لا يكون القناع هنا هو الطيلسان، بل التقنع تغطية الرأس وأكثر الوجه بالرداء من غير أن يجعل منه شيء تحت رقبته الذي يقال له التحنيك. وحمل قول ابن القيم المذكور على الطيلسان المقوّر التي تلبسها اليهود. قال بعضهم: وهذا الطيلسان المقور هو المعروف بالطرحة، وقد اتخذت خلفاء بني العباس الطرحة السوداء على العمامة عند الخطبة، واستمر ذلك شعارا للخلفاء.
فالحاصل أن ما يغطى به الرأس مع أكثر الوجه إن كان معه تحنيك: أي ادارة على العنق قيل له طيلسان، وربما قيل له رداء مجازا، وإن لم يكن معه تحنيك، قيل له رداء أو قناع، وربما قيل له مجازا طيلسان: هو ما كان شعارا في القديم لقاضي القضاة الشافعي خاصة. قال بعضهم: بل صار شعارا للعلماء، ومن ثم صار لبسه يتوقف على الإجازة من المشايخ كالإفتاء والتدريس. وكان الشيخ يكتب في إجازته: