للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك؟ فأنطق الله تعالى الحجر، فقال: منذ سمعت أن الله تعالى نارا وقودها الناس والحجارة وأنا أبكي هذا الدمع خوفا من تلك النار، فاشفع لي عند ربك، فشفع له، فشفع فيه وبشره بذلك. ثم مرّ به بعد مدة فإذا الماء يخرج منه، فقال: ألم أبشرك أن الله أنجاك من النار فما هذا؟ فقال: يا نبيّ الله ذاك بكاء الخوف والخشية، وهذا بكاء الفرح والسرور» ومن ثم لما قال صلى الله عليه وسلم لأبيّ بن كعب «إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة كذا: أي لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ [البيّنة: الآية ١] بكى من الفرح، وقال: أو ذكرت هناك؟» أي ذكرني الله عز وجل وفي لفظ «وسماني؟ قال نعم» .

وفي سفر السعادة قال العلماء: البكاء على عشرة أنواع: بكاء فرح، وبكاء حزن لما فات، وبكاء رحمة، وبكاء خوف لما يحصل، وبكاء كذب كبكاء النائحة فإنها تبكي بشجو غيرها، وبكاء موافقة بأن يرى جماعة يبكون فيبكي مع عدم علمه بالسبب، وبكاء المحبة والشوق، وبكاء الجزع من حصول ألم لا يحتمله، وبكاء الخور والضعف، وبكاء النفاق، وهو أن تدمع العين والقلب قاس. والبكى بالقصر:

دمع العين من غير صوت. والممدود: ما كان معه صوت. وأما التباكي فهو تكلف البكاء. وهو نوعان: محمود ومذموم؛ فالأول ما يكون لاستجلاب رقة القلب، وهو المراد بقول سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه لما رأى المصطفى صلى الله عليه وسلم وأبا بكر يبكيان في شأن أسارى بدر: أخبرني ما يبكيك يا رسول الله؟ فإن وجدت بكاء بكيت وإلا تباكيت، ومن ثم لم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم ذلك. والثاني ما يكون لأجل الرياء والسمعة.

قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت وأمي يا رسول الله إحدى راحلتيّ هاتين، فإني أعددتهما للخروج، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل بالثمن» أي لتكون هجرته صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى بنفسه وماله، أي وإلا فقد أنفق أبو بكر رضي الله تعالى عنه أكثر ماله عليه صلى الله عليه وسلم:

أي فعن عائشة رضي الله تعالى عنها: «أنفق أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألف درهم» . وفي لفظ «دينار» ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم «ليس من أحد أمنّ عليّ في أهل ومال من أبي بكر» وفي رواية «ما أحد أمنّ علي في صحبته وذات يده من أبي بكر، وما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر، فبكى أبو بكر وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟» وفي رواية «ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدا الله يكافئه بها يوم القيامة» .

أقول: ولا ينافي كونه صلى الله عليه وسلم أخذ إحدى ناقتي أبي بكر بالثمن ما رواه أبان بن أبي عياش أحد التابعين عن أنس رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله تعالى عنه «ما أطيب مالك: منه بلال مؤذني، وناقتي التي هاجرت عليها، وزوجتني ابنتك وواسيتني بمالك كأني أنظر إليك على باب الجنة تشفع لأمتي» لأن أبان بن أبي عياش معدود من الضعفاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>