فاختضبت رجلاها، ثم جاءته فمسح عنقها وطوّقها طوقا، ووهب لها الحمرة في رجليها، وأسكنها الحرم، ودعا لها بالبركة» .
وفي شعر الحارث بن مضاض الذي أوله:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
ويبك لبيت ليس يؤذى حمامه ... يظل به أمنا وفيه العصافر
ففي هذا الحمام قد كان في الحرم من عهد جرهم، أي ونوح. وذكر بعضهم «أن حمام مكة أظله صلى الله عليه وسلم يوم فتحها، فدعا له بالبركة» .
ويروى «أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه لما رأى قريشا أقبلت نحو الغار خصوصا ومعهم القافة بكى، أي ويقال لما سمع القائف يقول لقريش: والله ما جاز مطلوبكم من هذا الغار حزن وبكى، وقال: والله ما على نفسي أبكي، ولكن مخافة أن أرى فيك ما أكره، فقال له صلى الله عليه وسلم: لا تحزن إن الله معنا وأنزل الله تعالى سكينته على أبي بكر رضي الله تعالى عنه، أي وأنزل عليه أمنته التي تسكن عندها القلوب» قيل قال له لا تحزن ولم يقل له لا تخف، لأن حزنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا النهي تأنيس وتبشير له كما في قوله تعالى له صلى الله عليه وسلم وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ [يونس: الآية ٦٥] وبه يردّ ما زعمته الرافضة، أن ذلك غضبا من أبي بكر وذما له، لأن حزنه رضي الله تعالى عنه إن كان طاعة فالنبي صلى الله عليه وسلم لا ينهى عن الطاعة فلم يبق إلا أنه معصية.
وفي رواية عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه «قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار:
لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه» أي لأنهما علوا على رؤوسهما.
فعن أبي بكر قال «نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال:
يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما» .
قال بعضهم: كان معهما وثالثهما باللفظ والمعنى؛ أما باللفظ فكان يقال: يا رسول الله ويقال لأبي بكر، يا خليفة رسول الله، وأما بالمعنى فكان مصاحبا لهما بالنصر والهداية والإرشاد، والضمير في وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها [التوبة: الآية ٤٠] راجع النبي صلى الله عليه وسلم، وتلك الجنود ملائكة أنزلهم الله تعالى عليه في الغار يبشرونه بالنصر على أعدائه.
وروي «أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه عطش في الغار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اذهب إلى صدر الغار فاشرب، فانطلق أبو بكر رضي الله تعالى عنه إلى صدر الغار فوجد ماء أحلى من العسل وأبيض من اللبن وأزكى رائحة من المسك فشرب منه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله أمر الملك الموكل بأنهار الجنة أن يخرق نهرا من جنة