الفردوس إلى صدر الغار لتشرب، قال أبو بكر: يا رسول الله، ولي عند الله هذه المنزلة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم وأفضل، والذي بعثني بالحق نبيا لا يدخل الجنة مبغضك ولو كان عمله عمل سبعين نبيا» .
أي وذكر بعضهم قال:«كنت جالسا عند أبي بكر رضي الله تعالى عنه، فقال:
من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة فليقم، فقام رجل فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدني بثلاث حثيات من تمر، فقال أرسلوا إلى عليّ فجاء، فقال: يا أبا الحسن إن هذا يزعم كذا وكذا فاحث له فحثى له، فقال أبو بكر. عدوّها، فعدوها فوجدوها كل حثية ستين تمرة لا تزيد ولا تنقص، فقال أبو بكر: صدق الله ورسوله، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة من الغار: كفي وكف عليّ في العدد سواء» ذكر الذهبي أنه موضوع، ولعل قول الصديق صدق الله ورسوله علة لاختياره عليا على نفسه في أن يحثو، لا أن ذلك علة لكون كل حثية جاءت ستين حبة.
«ولما أيست قريش منهما أرسلوا لأهل السواحل إن من أسر أو قتل أحدهما كان له مائة ناقة» أي ويقال إن أبا جهل أمر مناديا ينادي في أعلى مكة وأسفلها: من جاء بمحمد أو دل عليه فله مائة بعير، وإلى قصة الغار أشار صاحب الهمزية بقوله:
أخرجوه منها وآواه غار ... وحمته حمامة ورقاء
وكفته بنسجها عنكبوت ... ما كفته الحمامة الحصداء
واختفى منهم على قرب مرآ ... هـ ومن شدة الظهور الخفاء
أي كانوا سببا لإخراجه من تلك الأرض التي هي مولده صلى الله عليه وسلم ومرباه ووطنه ووطن آبائه، بسبب مبالغتهم في إيذائه وإيذاء أصحابه خصوصا ضعفاءهم، وآواه غار وحمته منهم حمامة في لونها بياض وسواد، وكفته أعداءه عنكبوت بنسجها الذي كفته إياهم الحمامة الكثيرة الريش، فتلك الحمامة كانت ورقاء حصداء واستتر منهم مع قرب محل رؤيته.
وحكمة خفائه واستتاره منهم مع ظهوره لهم لو نظر أحدهم إلى ما تحت قدميه شدة ظهوره عليهم بالغلبة والمعونة الإلهية، ومكثا في الغار ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام يعرف ما يقال، يأتيهما حين يختلط الظلام ويدلج من عندهما بفجر فيصبح مع قريش كبائت في بيته فلا يسمع أمرا يكادان به إلا وعاه ويخبرهما به.
وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر رضي الله تعالى عنهما كان مملوكا للطفيل فأسلم وهو مملوك، وكان ممن يعذب في الله عز وجل، فاشتراه أبو بكر من الطفيل وأعتقه كما تقدم، فكان يروح عليهما بمنحه غنم: أي قطعة من غنم أبي بكر، فكان