قال ابن عبد البر: وهذا أي القول بأنهما مكثا في الغار بضعة عشر يوما غير صحيح عند أهل العلم بالحديث. قال الحافظ ابن حجر: والمراد كما قال الحاكم أنهما مكثا مختفيين من المشركين في الغار وفي الطريق بضعة عشر يوما، وذكر في الغار: أي الاقتصار عليه من بعض الرواة، والله أعلم.
قال: وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما «أن أبا بكر أرسل ابنه عبد الله فحمل ماله وكان خمسة آلاف درهم أو أربعة آلاف، وكان حين أسلم أربعين ألف درهم» وفي لفظ «أربعين ألف دينار» أي ويؤيد ذلك ما جاء عن أنس رضي الله تعالى عنه «أنفق أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألف دينار، فحمل إليه ذلك في الغار» قالت أسماء: فدخل علينا جدّي أبو قحافة رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك، وكان قد ذهب بصره، فقال: والله إني لأراه- يعني أبا بكر- قد فجعكم بماله مع نفسه فقالت: كلا يا أبت إنه ترك لنا خيرا كثيرا، قالت فأخذت أحجارا فوضعتها في كوة: أي طاقة في البيت كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوبا، ثم أخذت بيده فقلت: ضع يدك على هذا المال، قالت: فوضع يده عليه فقال: لا بأس إن كان ترك لكم هذا، ففي هذا بلاغ لكم، ولا والله ما ترك لنا شيئا، ولكن أردت أن أسكن قلب الشيخ اهـ.
أي ولما بلغ ضمرة بن جندب خروجه صلى الله عليه وسلم وكان مريضا فقال: لا عذر لي في مقامي بمكة فأمر أهله فخرجوا به، فلما وصل إلى التنعيم مات به، فأنزل الله تعالى وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [النّساء: الآية ١٠٠] وقيل نزلت في خالد بن حرام بن خويلد بن أسد، أسلم قديما، وهاجر إلى الحبشة في المرة الثانية، فمات من نهش حية قبل أن يصل. وجاء «أنه قال لحسان رضي الله تعالى عنه هل قلت في أبي بكر شيئا؟ قال نعم، قال: قل وأنا أسمع، فقال:
وثاني اثنين في الغار المنيف وقد ... طاف العدّو به إذ صاعدوا الجبلا
وكان حب رسول الله قد علموا ... من البرية لم يعدل به رجلا
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه» أي وفي لفظ «فتبسم، ثم قال صدقت يا حسان، هو كما قلت» إنه أحب البرية إليه، أي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعدل به غيره.
أقول: في ينبوع الحياة: والذي أعرف في هذين البيتين، أنهما من أبيات رثى بهما حسان أبا بكر رضي الله تعالى عنهما هذا كلامه.
وقد يقال: لا مانع أن يكون أدخلهما حسان في مرثيته لأبي بكر بعد ذلك،