مجيء الملك لها كان بعد أن مضى من حملها ستة أشهر فليتأمل، فإن الستة أشهر لا يقال إنها ابتداء الحمل.
ونص الرواية: كانت آمنة تحدث وتقول: أتاني آت حين مر بي من حملي ستة أشهر في المنام وقال لي: يا آمنة إنك حملت بخير العالمين، فإذا ولدتيه فسميه محمدا واكتمي شأنك، إلا أن يقال يجوز تعدد الملك أو تكرر مجيء الملك لها فليتأمل والله أعلم.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كان من دلالة حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل دابة لقريش نطقت تلك الليلة أي التي حمل فيها: أي في اليوم قبلها برسول الله صلى الله عليه وسلم أي بناء على ما هو الظاهر مما تقدم أنه حين وقع عليها انتقل إليها ذلك النور وقالت: حمل برسول الله صلى الله عليه وسلم ورب الكعبة، ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوسا: أي ومثل هذا لا يقال من قبل الرأي.
أقول: دلالة الأول على مطلق الحمل به صلى الله عليه وسلم لا على خصوص حمل آمنة به صلى الله عليه وسلم حينئذ واضحة.
وأما دلالة الثاني عليه فقد يتوقف فيها إلا أن يقال إن ذلك كان من علامة الحمل به في الكتب القديمة مع أن المدعي في كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إنما هو خصوص حمل آمنة به. على أن السياق يدل على أن المراد علم أمه يحملها به، والله أعلم.
وعن كعب الأحبار رضي الله تعالى عنه أن في صبيحة تلك الليلة أصبحت أصنام الدنيا منكوسة: أي ولعل ذلك كان من علامة حمل أمه في الكتب القديمة، وقول الصادق لا يتخلف، وسيأتي أن عند ولادته أيضا تنكست الأصنام، ولا مانع من التعدد.
قال: وروى الحاكم وصححه «أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله أخبرنا عن نفسك، فقال: أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى أخي عيسى، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور» وفي لفظ «سراج» وفي لفظ «شهاب»«أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام» قال الحافظ العراقي: وسيأتي أنها رأت النور خرج منها عند الولادة، وهو أولى لكون طرقه متصلة. ويجوز أن يكون خرج منها النور مرتين: مرة حين حملت به، ومرة حين وضعته: أي وكلاهما يقظة، ولا مانع من ذلك، أو هذه أي رؤية النور حين حملت به كانت مناما كما تصرح به الرواية الآتية وتلك يقظة، فلا تعارض بين الحديثين اهـ.
أقول: الرواية الآتية هي رواية شداد بن أوس، ولفظها أنها رأت في المنام أن