للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي في بطنها خرج نورا: أي وهي تفيد أن ذلك النور هو نفس حملها، فهو بعد تحقق الحمل ووجوده، والرواية التي هنا تفيد أن النور غيره، وأنه كان وقت ابتداء وجود الحمل، فلا يصح حمل إحداهما على الأخرى، إلا أن يقال المراد بحين حملت زمن حملها، وأن النور كان هو ذلك الحمل، لكن الذي ينبغي أن تكون رواية شداد التي حملت عليها الرواية الأولى حاصلة قبيل الولادة، فتكون رأت النور عند الولادة مناما ويقظة تأنيسا لها.

على أنه يجوز إبقاء الروايات الثلاث على ظاهرها وأنها رأت مناما أنها خرج منها نور عند ابتداء الحمل، ثم رأت كذلك عند قرب ولادتها أن الذي في بطنها خرج نورا، ثم رأت يقظة عند وضعه خروج النور. وسيأتي في رواية عن أمه أنها قالت لما وضعته: خرج معه نور، وهي لا تخالف هذه الرواية الثالثة حتى تكون الرابعة، فبصرى أول بقعة من الشام خلص إليها نور النبوة.

وعلى أنه مرتين ناسب قدومه صلى الله عليه وسلم لها مرتين مرة مع عمه أبي طالب ومرة مع ميسرة غلام خديجة رضي الله تعالى عنها كما سيأتي، وبها مبرك الناقة التي يقال إن ناقته صلى الله عليه وسلم بركت فيه، فأثر ذلك فيه، وبني على ذلك المحل مسجد، ولهذا كانت أول مدينة فتحت من أرض الشام في الإسلام، وكان فتحها صلحا في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه على يد خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه، وبها قبر سعد بن عبادة، وهي من أرض حوران، والله أعلم.

ووقع الاختلاف في مدة حمله صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عايذ أي بالياء المثناة تحت والذال المعجمة «أنه صلى الله عليه وسلم بقي في بطن أمه تسعة أشهر كملا لا تشكو وجعا ولا مغصا ولا ريحا ولا ما يعرض لذوات الحمل من النساء» أي وقد ولد عند وجود المشتري وهو كوكب نير سعيد، فقد كانت ولادته صلى الله عليه وسلم عند وجود السعد الأكبر، والنجم الأنور، وكانت أمه صلى الله عليه وسلم تقول: ما رأيت من حمل هو أخفّ منه ولا أعظم بركة منه.

وروى ابن حبان رحمه الله عن حليمة رضي الله تعالى عنها عن آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت «إن لابني هذا شأنا، إني حملت به فلم أجد حملا قط كان أخف عليّ ولا أعظم منه بركة» وقيل بقي عشرة أشهر، وقيل ستة أشهر، وقيل سبعة أشهر، وقيل ثمانية أشهر: أي ويكون ذلك آية، كما أن عيسى عليه السلام ولد في الشهر الثامن كما قيل به مع نص الحكماء والمنجمين على أن من يولد في الشهر الثامن لا يعيش، بخلاف التاسع والسابع والسادس الذي هو أقل مدة الحمل: أي فقد قال الحكماء في بيان سبب ذلك إن الولد عند استكماله سبعة أشهر يتحرك للخروج حركة عنيفة أقوى من حركته في الشهر السادس، فإن خرج عاش، وإن لم يخرج استراح في البطن عقب تلك الحركة المضعفة له، فلا يتحرك في الشهر الثامن ولذلك تقل حركته في

<<  <  ج: ص:  >  >>