البطن في ذلك الشهر، فإذا تحرك للخروج وخرج فقد ضعف غاية الضعف فلا يعيش لاستيلاء حركتين مضعفتين له مع ضعفه.
وفي كلام الشيخ محيي الدين بن العربي رحمه الله تعالى: لم أر للثمانية صورة في نجوم المنازل، ولهذا كان المولود إذا ولد في الشهر الثامن يموت ولا يعيش.
وعلى فرض أن يعيش يكون معلولا لا ينتفع بنفسه، وذلك لأن الشهر الثامن يغلب فيه على الجنين البرد واليبس وهو طبع الموت: أي وقيل بل كان حمله ووضعه في ساعة واحدة، وقيل في ثلاث ساعات: أي وقيل بذلك في عيسى عليه السلام: أي وكانت تلك السنة التي حمل فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم يقال لها سنة الفتح والابتهاج، فإن قريشا كانت قبل ذلك في جدب وضيق عظيم، فاخضرت الأرض، وحملت الأشجار، وأتاهم الرغد من كل جانب في تلك السنة وفي حديث مطعون فيه «قد أذن الله تلك السنة لنساء الدنيا أن يحملن ذكورا كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم» أي ولم أقف على ما يجري على ألسنة المداح من أنه صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله في بطن أمه، كما نقل عن عيسى عليه السلام أنه كان يكلم أمه إذا خلت عن الناس ويسبح الله ويذكره إذا كانت مع الناس وهي تسمع، وعن شداد بن أوس رضي الله تعالى عنه قال «بينا نحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل شيخ كبير من بني عامر هو بدرة قومه» أي المقدم فيهم «يتوكأ على عصا فمثل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ونسبه إلى جده، فقال: يا ابن عبد المطلب إني أنبئت أنك تزعم أنك رسول الله إلى الناس أرسلك بما أرسل به إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء ألا أنك فهت بعظيم، وإنما كانت الأنبياء والخلفاء» أي معظمهم «في بيتين من بني إسرائيل وأنت ممن يعبد هذه الحجارة والأوثان، فما لك وللنبوة، ولكن لكل حق حقيقة فأنبئني بحقيقة قولك وبدء شأنك؟
قال: فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم بمسألته ثم قال: يا أخا بني عامر إن لهذا الحديث الذي سألتني عنه نبأ ومجلسا فاجلس فثنى رجليه ثم برك كما يبرك البعير، فاستقبله النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث فقال: يا أخا بني عامر إن حقيقة قولي وبدء شأني أني دعوة أبي إبراهيم عليه السلام: أي حيث قال رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩)[البقرة: الآية ١٢٩] أي وعند ذلك قيل له قد استجيب لك وهو كائن في آخر الزمان» كذا في تفسير ابن جرير.
قال في ينبوع الحياة: أجمعوا على أن الرسول المذكور ههنا هو محمد صلى الله عليه وسلم.
أقول: وفيه أن جبريل عليه السلام أعلم إبراهيم عليه السلام قبل ذلك بأنه يوجد نبي من العرب من ذرية ولده إسمعيل. فقد جاء أن إبراهيم لما أمر بإخراج هاجر أمّ ولده إسمعيل عليه السلام حمل هو وهي وولدها على البراق، فلما أتى مكة