للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال له جبريل: انزل فقال: حيث لا زرع ولا ضرع قال: نعم ههنا يخرج النبي الأمي من ذرية ولدك يعني إسمعيل عليه السلام الذي تتم به الكلمة العليا، إلا أن يقال الغرض من دعائه صلى الله عليه وسلم بذلك تحقيق حصوله، وتقدم أن أم إسمعيل قالت لإبراهيم ما قاله لجبريل، والله أعلم، ثم قال «وبشري أخي عيسى» وفي رواية «إن آخر من بشر بي عيسى عليه السلام» أي آخر نبي بشر بي من الأنبياء عيسى، بدليل الرواية الأخرى «وكان آخر من بشر بي عيسى» لأن الأنبياء بشرت به قومها، وإلى ذلك يشير صاحب الهمزية بقوله:

ما مضت فترة من الرسل إلا ... بشرت قومها بك الأنبياء

وبشرى عيسى في قوله تعالى: وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف: الآية ٦] أي والمبشر بهم من الأنبياء قبل وجودهم أيضا أربعة: إسحق ويعقوب ويحيى وعيسى، قال الله تعالى في حق سارة فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (٧١) [هود: الآية ٧١] قيل بشرت بأن تبقى إلى أن يولد يعقوب لولدها إسحق، وقال في حق زكريا أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى [آل عمران: الآية ٣٩] وقال: في حق مريم إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ [آل عمران: الآية ٤٥] ثم قال «وإني كنت بكر أبي وأمي وإنها حملتني كأثقل ما تحمل النساء، وجعلت تشكو إلى صواحبها ثقل ما تجد، ثم إنها رأت في المنام أن الذي في بطنها خرج نورا، قالت فجعلت أتبع بصري النور والنور يسبق بصري حتى أضاءت له مشارق الأرض ومغاربها» الحديث، وستأتي تتمته في الرضاع: أي وقال ابن الجوزي: ممن روى عن أمه صلى الله عليه وسلم هو صلى الله عليه وسلم لما قيل له يا رسول الله ما كان بدء أمرك؟ قال «دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورؤيا أمي، قالت خرج مني نور أضاءت له قصور الشام» .

قال الحافظ أبو نعيم: الثقل الذي وقع في هذه الرواية كان في ابتداء الحمل، والخلفة التي جاءت فيما سبق من الروايات كانت عند استمرار الحمل ليكون ذلك خارجا عن المعتاد كذا قال.

أقول: قد قدمنا أنه يجوز أن يكون هذا الثقل الواقع في ابتداء الحمل كان بعد إخبار الملك لها بالحمل، فلا يخالف ما سبق. وفيه ما سبق والجواب عنه لكن تقدم عن الزهري قال: قالت آمنة لقد علقت به فما وجدت له مشقة حتى وضعته.

ويمكن أن يكون المراد بالمشقة ما تقدم في بعض الروايات «لم تشك وجعا ولا مغصا ولا ريحا، ولا ما يعرض لذوات الحمل من النساء» أي فمع وجود الثقل لم يحصل لها المشقة المذكورة وحينئذ لا ينافي ذلك شكواها ما تجده من ثقله، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>